أي : حرمة حزمها ( حرسها الله - تعالى - ) أي حماها وحفظها من الآفات الحسية والعاهات المعنوية .
الفصل الأول
2715 - ( عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة ) نصب على الظرفية ( لا هجرة ) من مكة إلى المدينة مفروضة ( بعد الفتح ) كما كانت قبله ، بل قيل : إنها كانت ركنا من أركان الإيمان ( ولكن جهاد ونية ) أي بقي فرض الجهاد والنية الخالصة ، يعني الإخلاص في العمل الشامل للهجرة والجهاد وغيرهما ، وقيل : أي قصد وعزم على إعلاء الدين بالهجرة عن المعاصي قال الطيبي - رحمه الله : كانت الهجرة من مكة إلى المدينة ، فلما فتح مكة انقطعت تلك الهجرة المفروضة ، فلا تنال بالهجرة تلك الدرجة التي حصلت للمهاجرين ، لكن ينال الأجر بالجهاد وإحسان النية ، وأما الهجرة التي تكون لصلاح دين المسلم فإنها باقية مدى الدهر ، وفي الحديث من [ ص: 1864 ] أعلام نبوته وهو إخباره أن مكة تدوم دار الإسلام ، فلا يتصور منها هجرة في سائر الأيام ( وإذا استنفرتم ) بصيغة المجهول ، أي إذا طلبتم للنفر وهو الخروج إلى الجهاد ، ووقع في أصل ابن حجر : فإذا استنفرتم . بالفاء مخالفا للأصول المتعمدة فتكلف بقوله مقدرا وإذا وجب الجهاد مع النية الصالحة فإذا استنفرتم ( فانفروا ) بكسر الفاء أي اخرجوا لقوله - تعالى : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( وقال يوم فتح مكة ) أعاده تأكيدا ، أو إشارة إلى وقوع هذا القول وقتا آخر من ذلك اليوم - والله - تعالى - أعلم ( إن هذا البلد ) أي مكة يعني حرمها ، أو المراد بالبلد أرض الحرم جميعها ( حرمة الله ) أي حرم على الناس هتكه وأوجب تعظيمه ( يوم خلق السماوات والأرض ) أي تحريمه شريعة سالفة ، مستمرة وقيل معناه : إنه كتب الله في اللوح أن إبراهيم سيحرم مكة ، والتحقيق إن إبراهيم أظهر حرمتها ، وحدد بقعتها ، ورفع كعبتها ، بعدما اندرست بسبب الطوفان الذي هدم بناء آدم وبين حدود الحرم ( فهو ) أن البلد ( حرام ) أي محرم محترم ( بحرمة الله ) أي بتحريمه - تعالى - ( إلى يوم القيامة ) إيماء إلى عدم نسخه ( وإنه ) أي الشأن ( لن يحل ) أي لم يحل ( القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل ) أي القتال لي ( إلا ساعة من نهار ) دل على أن فتح مكة كان عنوة وقهرا كما هو عندنا ، أي أحل لي ساعة إراقة الدم دون الصيد وقطع الشجر ( فهو ) أي البلد ( حرام ) أي على كل أحد بعد تلك الساعة ( بحرمة الله ) أي المؤبدة ( إلى يوم القيامة ) أي النفخة الأولى ( لا يعضد ) أي لا يقطع ( شوكه ) أي ولو يحصل التأذي به وأما قول بعض الشافعية - رحمهم الله - أنه يجوز قطع الشوك المؤذي فمخالف لإطلاق النص ، ولذا جرى جمع من متأخريهم على حرمة قطعه مطلقا ، وصححه النووي - رحمه الله - في شرح مسلم ، واختاره في عدة كتبه ، وأما قول الخطاب : كل أهل العلم على إباحة قطع الشوك ويشبه أن يكون المحظور منه الشوك الذي يرعاه الإبل وهو ما دق دون الصلب الذي لا ترعاه فإنه يكون بمنزلة الحطب ، فلعله أراد بأهل العلم علماء المالكية - رحمهم الله - ( ولا ينفر ) بتشديد الفاء المفتوحة ( صيده ) أي لا يتعرض له بالاصطياد والإيحاش والإيهاج ( ولا يلتقط ) بصيغة المجهول ( لقطه ) بضم اللام وفتح القاف ، أي لا تؤخذ ساقطته ( إلا من عرفها ) بالتشديد ، والاستثناء منقطع ، وفي نسخة بصيغة المعلوم وهو ظاهر ، إذا التقدير لا يلتقطها أحد إلا من عرفها ليرده على صاحبها ولم يأخذها لنفسه وانتفاعها ، قيل : أي ليس في لقطة الحرم إلا التعريف فلا يتملكها أحد ولا يتصدق بها ، وعليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقيل : حكمها كحكم غيرها ، والمقصود من ذكرها أن لا يتوهم تخصيص تعريفها بأيام الموسم وعليه أبو حنيفة ومن تبعه ( ولا يختلى ) بصيغة المجهول ( خلاها ) . بفتح الخاء مقصورا ، أي : لا يقتطع نباتها وحشيشها . قال بعض أئمتنا : الخلا مقصورا الرطب من النبات ، كما أن الحشيش هو اليابس منها ، ولا فرق بين الرطب واليابس في حرمة القطع وعليه الأكثرون . اهـ . وهذا خلاف المشهور من المذهب . قال الشمني بعد قوله : وكذا إن ذبح الحلال صيد الحرم أي لزمه قيمته ويهدي بها أو يطعم ولا يجزئه الصوم ، أو قطع حشيشة أو شجرة إلا مملوكا ; أي : للقاطع أو منبتا أو جافا ; أي : يابسا .
( فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ) بالنصب في أكثر النسخ ، وفي بعضها بالرفع وهو تلقين والتماس ; أي : قل إلا الإذخر بكسر الهمزة والخاء المعجمة بينهما ذال معجمة ساكنة ، وهو نبت عريض الأوراق ( فإنه ) : أي : الإذخر نافع ومحتاج إليه ( لقينهم ) : القين الحداد ، وكذا الصياغ فإنهم يحرقونه بدل الحطب والفحم . ( ولبيوتهم ) أي لسقفها وكذا لسقف قبورهم ، والمعنى لبيوتهم حال حياتهم ومماتهم ، ( فقال : " إلا الإذخر " . متفق عليه ) . [ ص: 1865 ]