صفحة جزء
3280 - وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبغض الحلال إلى الله الطلاق . رواه أبو داود .


3280 - ( وعن ابن عمر عن النبي ) : وفي نسخة أن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) : قيل : كون الطلاق مبغوضا مناف لكونه حلالا ، فإن كونه مبغوضا يقتضي رجحان تركه على فعله ، وكونه حلالا يقتضي مساواة تركه لفعله ، وأجيب بأنه ليس المراد بالحلال ما استوى طرفاه بل أعم ، فإن بعض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض كأداء الصلاة في البيت لا لعذر ، وكالصلاة في الأرض المغصوبة ، وكالبيع في وقت النداء ليوم الجمعة ، وكالأكل والشرب في المسجد لغير المعتكف ، ونحوها ، ولما كان أحب الأشياء عند الشيطان هو التفريق بين الزوجين كما سبق ، كان أبغض الأشياء عند الله هو الطلاق ، هذا حاصل ما ذكره الطيبي وغيره ، وقال الشمني : أجيب بأن المراد بالحلال ما يتركه بلازم الشامل للمباح والواجب والمندوب والمكروه ، اهـ . وقد يقال : الطلاق حلال لذاته ، والأبغضية لما يترتب عليه من انجراره إلى المعصية ، أو يقال أبغض الحلال عند الحاجة إلى الله أي عنده أو في حكمه الطلاق من غير الضرورة ، والله - تعالى - أعلم ، وقول الطيبي : فيه أن بعض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض كأداء الصلاة في البيوت لا لعذر والصلاة في الأرض المغصوبة وكالبيع في وقت النداء يوم الجمعة ، في كل ما ذكر بحث إذ الصلاة في البيوت ولو بعذر محبوب عند الله لكن في المسجد مع الجماعة أحب ، وإنما المبغوض ترك الأحب لا نفس أداء الصلاة ، ثم الصلاة في الأرض المغصوبة ليس من الحلال المشروع ؛ لأن الدخول فيها والمكث بها ممنوع شرعا ، وكذا البيع في وقت النداء حرام ، وإن كان جنس البيع حلالا ، فتأمل ، نعم لو أراد بقوله مشروع أي صحيح في الشرع وقوعه وانعقاده ثم له الكلام ( رواه أبو داود ) : وكذا ابن ماجه والحاكم قال ابن الهمام : رواه أبو داود وابن ماجه عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إن أبغض المباحات عند الله الطلاق ، فنص على إباحته وكونه مبغوضا وهو لا يستلزم ترتب لازم المكروه الشرعي إلا لو كان مكروها بالمعنى الاصطلاحي ، ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة ، لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه ، وغاية ما فيه إنه مبغوض إليه - سبحانه - ويترتب عليه ما رتب على المكروه ودليل نفي الكراهة قوله تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) وطلاقه - صلى الله عليه وسلم - حفصة ثم أمره - سبحانه - أن يراجعها فإنها صوامة قوامة ، وبه يبطل قول القائلين ولا يباح إلا لكبر ، كطلاق سودة أو ريبة ، فإن طلاقه حفصة لم يقرن بواحد منهما ، وأما ما روي " لعن الله كل ذواق مطلاق " فمحمله الطلاق لغير حاجة ، بدليل ما روي من قوله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما امرأة اختلعت من زوجها بغير نشوز فعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ، ولا يخفى أن كلامهم فيما سيأتي من التعليل يصرح بأنه محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح ، وللحديثين المذكورين وغيرهما ، وإنما أبيح للحاجة ، والحاجة هي الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله ، فشرعه رحمة منه - سبحانه - فبين الحكمين تدافع ، والأصح حظره إلا لحاجة للأدلة المذكورة ، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات ، أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة ، وهو ظاهر في رواية لأبي داود " ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " ، وإن الفعل لا عموم له في الزمان غير أن الحاجة لا تقتصر على الكبر والريبة ، فمن الحاجة المبيحة أن يلقي إليه عدم اشتهائها ، بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه على جماعها ، فهذا إذا وقع ، فإن كان قادرا على طول غيرها مع استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطء وبلا قسم ، فيكره طلاقه كما كان بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسودة ، وإن لم يكن قادرا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها ، فهو مباح لأن مقلب القلوب رب العالمين ، وأما ما روي عن الحسن وكان قيل له : في كثرة تزوجه وطلاقه فقال : أحب الغنى ، قال الله تعالى ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) فهو رأي منه إن كان على ظاهره ، وكل ما نقل عن طلاق الصحابة كطلاق عمر ابنة أم عاصم ، وعبد الرحمن بن عوف تماضر ، والمغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة واحدة ، فقال لهن أنتن حسنات الأخلاق ، ناعمات الأطراف ، طويلات الأعناق ، اذهبن فأنتن طلاق ، فمحمله وجود الحاجة مما ذكرنا ، وأما إذا لم تكن حاجة ، فمحض كفران نعمة وسوء أدب فيكره ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

[ ص: 2138 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية