صفحة جزء
الفصل الثاني

3393 - عن الحسن ، عن سمرة - رضي الله عنهما - عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قال : ( من ملك ذا رحم فهو حر ) رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه .


الفصل الثاني

3393 - ( عن الحسن ) : أي البصري ( عن سمرة ) : أي ابن جندب ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من ملك ) : أي بنحو شراء أو هبة أو إرث ( ذا رحم ) : أي قرابة ( محرم ) : احتراز عن غيره ، وهو بالجر ، وكان القياس أن يكون بالنصب لأنه صفة ذا رحم لا نعت رحم ، ولعله من باب جر الجوار كقوله : بيت ضب خرب ، وماء شن بارد ، ولو روي مرفوعا لكان له وجه ، ( فهو ) : أي ذو الرحم المحرم ذكرا كان أو أنثى ( حر ) : أي عتق عليه بسبب ملكه ، وهو أصرح وأعم من حديث أبي هريرة السابق ، وبه أخذ أبو حنيفة وأحمد .

وفي النهاية : وإليه ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين . قال النووي : اختلفوا في عتق الأقارب إذا ملكوا فقال أهل الظاهر : لا يعتق أحد منهم بمجرد الملك سواء الولد والوالد وغيرهما ، بل لا بد من إنشاء عتق ، واحتجوا بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقال الجمهور رحمهم الله : يحصل العتق في الأصول وإن علوا ، وفي الفروع وإن سفلوا بمجرد الملك سواء المسلم والكافر ، وتحريره أنه يعتق عمود النسب بكل حال ، واختلفوا فيما ورائهما ، فقال الشافعي وأصحابه : لا يعتق غيرهما بالملك ، وقال مالك : يعتق الأخوة أيضا ، وعنه رواية أنه يعتق جميع ذوي الأرحام المحرمة ، ورواية ثالثة كمذهب الشافعي ، وقال أبو حنيفة رحمه الله : يعتق جميع ذوي الأرحام المحرمة . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه ) : ورواه أحمد بسند صحيح والحاكم في مستدركه مرفوعا . قال القاضي : قال [ ص: 2226 ] أبو داود في كتابه : لم يحدث هذا الحديث مسندا إلا حماد بن سلمة ، وقد شك فيه ، ولهذا لم يقل به الشافعي ، واقتصر على عتق الأصول والفروع ، وفي شرح السنة : حديث سمرة لا يعرف مسندا إلا من حديث حماد بن سلمة ، ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن عمرو ، ورواه بعضهم عن الحسن مرسلا . قلت : إذا كان مسندا فلا إشكال ، والشك في أحد طرفيه غير مضر ، والموقوف عن عمر في حكم المرفوع إذ لا مدخل للرأي فيه ، والمرسل حجة عندنا وعند الجمهور ، وإذا اعتضد فعند الكل ، وأغرب الطيبي حيث قال : يشم من سياق الحديث معنى الاستحباب ، إذ جعل الجزاء من باب الإخبار والتنبيه على تحري الأولى ، إذ لم يقل : من ملك ذا رحم محرم فيعتقه أو فيحرره ، بل قيل : فهو حر ، والجملة الاسمية التي تقتضي الدوام والثبوت في الأزمنة الماضية والآتية تنبئ عن هذا لأنه ما كان في الزمان الماضي حرا وكذا في الآتي اهـ .

وفيه أن من شم رائحة من فهم الكلام علم أن الحكمة بالجملة الاسمية الدالة على الثبات والدوام أبلغ في تحصيل الحكم والمرام من الجملة الفعلية في هذا المقام ، فإنها تفيد بظاهرها أنه لا بد من إنشاء الإعتاق والتحرير ، ولذا تأول أهل الظاهر حديث أبي هريرة على ما سبق به التقرير ، فالجملة الفعلية هي الأولى بالدلالة على الاستحباب ، والله تعالى أعلم بالصواب . هذا وقد قال ابن الهمام : روى النسائي ، عن حمزة بن ربيعة ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - عليه الصلاة والسلام - : ( من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ) . وضعفه البيهقي والنسائي بسبب أن ضمرة انفرد به عن سفيان ، وصححه عبد الحق وقال : ضمرة ثقة ، وإذا أسند الحديث ثقة فلا يضر انفراده به ، ولا إرسال من أرسله ، ولا وقف من وقفه ، وصوب ابن القطان كلامه ، وممن وثق ضمرة ابن معين وغيره ، وإن لم يحتج به في الصحيحين ، وأخرج أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، عن النبي - عليه الصلاة والسلام - : ( من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر ) قال أبو داود وغيره : انفرد به عن الحسن عن سمرة عن حماد ، وقد شك فيه ، فإن موسى بن إسماعيل قال في موضع آخر : عن سمرة فيما يحسب حماد ، وقد رواه شعبة عن الحسن ، عن النبي - عليه الصلاة والسلام - وشعبة أحفظ من حماد اهـ .

وفيه مثل ما تقدم من كلام عبد الحق وابن القطان وهو : أن رفع الثقة لا يضره إرسال غيره ، ورواه الطحاوي من حديث الأسود ، عن عمر موقوفا ، وروي من حديث ابن عمر موقوفا ، ومن حديث علي بأسانيد ضعيفة ، وروى الطحاوي بإسناده إلى الثوري عن سلمة بن كهيل عن المستورد ، أن رجلا زوج ابن أخيه مملوكته ، فولدت أولادا فأراد أن يسترق أولادها ، فأتى ابن أخيه عبد الله بن مسعود فقال : إن عمي زوجني وليدته ، وإنها ولدت لي أولادا ، فأراد أن يسترق ولدي ، فقال ابن مسعود : كذب ليس له ذلك . وفي المبسوط : أن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال : يا رسول الله ! إني دخلت السوق ، فوجدت أخي يباع فاشتريته ، وإني أريد أن أعتقه فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله أعتقه ) .

قال : وذكر الخطابي في معالم السنن أنه قول أكثر العلماء ، وقال : روي ذلك عن ابن عمر ، وابن مسعود ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة ، وبه قال الحسن البصري ، وجابر بن زيد ، وعطاء ، والشعبي ، والزهري ، وحماد ، والحاكم ، والثوري ، وابن أبي شيبة ، وأبو سلمة ، والليث ، وعبد الله بن وهب ، وإسحاق . وفي المبسوط قال داود الظاهري : إذا ملك قريبه لا يعتق بدون الإعتاق الظاهر لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) . إذ لو عتق بنفس الشراء لم يبق لقوله فيعتقه فائدة ; لأن القرابة لا تمنع ابتداء الملك فلا يمتنع بقاؤه ، ولأن قوله تعالى جل شأنه : وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا [ ص: 2227 ] أثبت به أن الابنية تنافي العبدية ، فإذا ثبتت الابنية انتفت العبدية ، والمراد بالنص : ( فيعتقه ) بالشراء ، كما تقول : أطعمه فأشبعه ، وسقاه فأرواه ، والتعقيب حاصل إذ العتق يعقب الشراء ، وإنما أثبتنا له الملك ابتداء ; لأن العتق لا يحصل قبله بخلاف ملك النكاح لم يثبت ابتداء ، لأنه لا فائدة في إثباته لاستعقاب البينونة .

قال : وقولهم إن الحديث لم يثبت غير صحيح لثقة الرواة وليس فيه سمي الانفراد بالرفع ، وهو غير قادح ; لأن الراوي قد يصل ، وكثيرا ما يرسل ، ومعلوم أنه إذا أرسل فلا بد أن يكون عن واسطة ، وغاية الأمر أنه عين الواسطة مرة وترك أخرى ، ولو كان مرسلا لكان من المرسل المقبول ، إما على قول الجمهور وهو قولنا وقول مالك وأحمد ، فيقبل بلا شرط بعد صحة السند وقد علمت صحته ، وإما على قول الشافعي فيقبل إذا عملت الصحابة على وفقه ، وأنت علمت أن الثابت قول بعض الصحابة ، ولم يثبت من غيرهم خلافهم فيثبت مشاركة هذه القرابة للولاد في هذا الحكم اهـ . كلام المحقق والله تعالى الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية