صفحة جزء
3410 - وعن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا ، فهو كما قال . وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله ، ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة " . متفق عليه .


3410 - ( وعن ثابت بن الضحاك ) : قال المؤلف : هو أبو زيد الأنصاري الخزرجي ، كان ممن بايع تحت الشجرة في بيعة الرضوان ، وهو صغير ، ومات في فتنة الزبير . ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من حلف على ملة غير الإسلام " ) : صفة لملة . كإن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام ( " كاذبا " ) : أي في حلفه ( " فهو كما قال " ) : قال القاضي رحمه الله : ظاهره أنه يختل بهذا الحلف إسلامه ويصير كما قال ، ويحتمل أن يعلق ذلك بالحنث لما روى بريدة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال ، وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما " . ولعل المراد به التهديد والمبالغة في الوعيد ، لا الحكم بأنه صار يهوديا أو بريئا من الإسلام ، فكأنه قال : فهو مستحق للعقوبة كاليهودي ، ونظيره قوله - عليه الصلاة والسلام - : " من ترك صلاة فقد كفر " . أي استوجب عقوبة من كفر ، وهذا النوع من الكلام هل يسمى في عرف الشرع يمينا ، وهل تتعلق الكفارة بالحنث فيه ، فذهب النخعي والأوزاعي والثوري وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله وأحمد ، وإسحاق [ ص: 2236 ] إلى أنه يمين تجب الكفارة بالحنث فيها . وقال مالك ، والشافعي ، وأبو عبيد : إنه ليس بيمين ولا كفارة فيه ، لكن القائل به آثم صدق فيه أو كذب ، وهو قول أهل المدينة ، ويدل عليه أنه - صلى الله عليه وسلم - رتب عليه الإثم مطلقا ولم يتعرض للكفارة . قال صاحب الهداية : ولو قال : إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو كافر يكون يمينا ، فإذا فعله لزمه كفارة يمين قياسا على تحريم المباح ، فإنه يمين بالنص ، وذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - حرم مارية على نفسه ، فأنزل الله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ثم قال قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم قال ابن الهمام : وجه الحلف أنه لما جعل الشرط وهو فعل كذا علما على كفره ، ومعتقده حرمته ، فقد اعتقده أي الشرط واجب الامتناع ، فكأنه قال : حرمت على نفسي فعل كذا ، كدخول الدار مثلا . ولو قال : دخول الدار علي حرام كان يمينا ، فكان تعليق الكفر ونحوه على فعل مباح يمينا إذا عرفت هذا ، فلو قال ذلك لشيء قد فعله فهو يمين كأن قال : إن كنت فعلت كذا فهو كافر ، وهو عالم أنه قد فعله فهو يمين غموس لا كفارة فيها إلا التوبة ، وهل يكفر حتى تكون التوبة اللازمة عليه التوبة من الكفر وتجديد الإسلام ؟ قيل : نعم ; لأنه لما علقه بأمر كائن فكأنه قال ابتداء هو كافر ، والصحيح أنه إن كان يعلم أنه يمين فيه الكفارة إذا لم يكن غموسا لا يكفر ، وإن كان في اعتقاده أنه يكفر فيكفر فيها بفعله لأنه رضي بالكفر حيث أقدم على الفعل الذي علق عليه كفره ، وهو يعتقد أنه يكفر إذا فعله . واعلم أنه ثبت في الصحيحين أنه قال : " من حلف على يمين ملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال " . فهذا يتراءى أعم من أن يعتقد يمينا أو كفرا ، والظاهر أنه أخرج مخرج الغالب ، فإن الغالب فيمن يحلف مثل هذه الأيمان أن يكون أهل الجهل والشر ، لا من أهل العلم والخير ، وهؤلاء لا يعرفون إلا لزوم الكفر على تقدير الحنث ، فإن تم هذا فالحديث شاهد لمن أطلق القول بكفره . ( " وليس على ابن آدم " ) : أي لا يلزمه ( " نذر فيما لا يملك " ) : قال ابن الملك رحمه الله : كأن يقول إن شفى الله مريضي ففلان حر وهو ليس في ملكه ، وقال الطيبي رحمه الله معناه أنه لو نذر عتق عبد لا يملكه أو التضحي بشاة غيره أو نحو ذلك لم يلزمه الوفاء به ، وإن دخل ذلك في ملكه ، وفي رواية : ولا نذر فيما لا يملك . أي : لا صحة له ولا عبرة به . قلت : روى أبو داود والترمذي في الطلاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا طلاق فيما لا يملك " . قال الترمذي : حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب . ( " ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به " ) : بصيغة المجهول أي : عوقب بمثله أو به حقيقة ( " يوم القيامة ، ومن لعن مؤمنا فهو " ) أي : لعنه ( " كقتله " ) : أي في أصل الإثم . قال الطيبي رحمه الله : أي في التحريم أو في العقاب ، والضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل أي فلعنه كقتله ، وكذا الضمير في قوله : ( " ومن قذف مؤمنا بكفر فهو " ) : أي قذفه ( " كقتله " ) : لأن الرمي بالكفر من أسباب القتل ، فكان الرمي به كالقتل . قال الطيبي رحمه الله : وجه التشبيه هنا أظهر ; لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل ، فالقاذف بالكفر تسبب إليه والمتسبب إلى الشيء كفاعله ، والقذف في الأصل الرمي ، ثم شاع عرفا في الرمي بالزنا ، ثم استعير لكل ما يعاب به الإنسان ويحيق به ضرره ، ( " ومن ادعى " ) : بتشديد الدال أي أظهر ( " دعوى " ) : بغير تنوين ( " كاذبة " ) : بالنصب على أنه صفة لدعوى ، وفي نسخة بالجر على الإضافة ( " ليتكثر بها " ) : من باب التفعل ، وفي نسخة صحيحة ليستكثر من باب الاستفعال ، واللام للعلة . وفي نسخة يستكثر بحذف اللام على أنه حال ، والمعنى ليحصل بتلك الدعوى مالا كثيرا . قال الطيبي رحمه الله : هو قيد للدعوى الكاذبة . فإن قلت : مفهومه أنه إذا لم يكن الغرض استكثار المال لم يترتب عليه هذا الحكم قلت للقيد فائدة سوى المفهوم وهو [ ص: 2237 ] مزيد الشفاعة على الدعوى الكاذبة واستهجان العرض فيها يعني : ارتكاب هذا الأمر العظيم لهذا الغرض الحقير غير مبارك . ( " لم يزده الله إلا قلة " ) : أي عكس ما يريده من الزيادة باستكثاره . قال الطيبي رحمه الله : الاستثناء فيه على نحو قوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا يعني إن كانت القلة زيادة فهو يزيده ، والحال أن القلة ليست بزيادة فلا يزيد ألبتة . ( متفق عليه ) : وفي الجامع الصغير بلفظ : " ليس على رجل نذر فيما لا يملك ، ولعن المؤمن كقتله ، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ، ومن حلف بملة سوى الإسلام فهو كما قال ، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله " . رواه أحمد والشيخان والأربعة ، عن ثابت بن الضحاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية