صفحة جزء
3461 - وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم شيء ليس في القرآن ؟ فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، ما عندنا إلا ما في القرآن ، إلا فهما يعطى رجل في كتابه وما في الصحيفة . قلت : وما في الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر . رواه البخاري . وذكر حديث ابن مسعود : " لا تقتل نفس ظلما " . في " كتاب العلم " .


3461 - ( وعن أبي جحيفة ) : بضم جيم وفتح مهملة وسكون تحتية بعدها فاء . قال المؤلف : اسمه وهب بن عبد الله العامري ، نزل الكوفة وكان من صغار الصحابة ، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم يبلغ الحلم ، ولكنه سمع منه ، وروى عنه مات بالكوفة سنة أربع وسبعين ، روى عنه ابنه عوز وجماعة من التابعين . ( قال : سألت عليا رضي الله عنه : هل عندكم ) : الجمع للتعظيم أو أراد جميع أهل البيت وهو رئيسهم ، ففيه تغليب ( شيء ) : وفي رواية : شيء من الوحي ( فقال : في القرآن ) : وإنما سأله لزعم الشيعة أن عليا خص ببعض أسرار الوحي ، ( قال : والذي فلق الحبة ) : أي : شقها فأخرج منها النبات والغصن ( وبرأ النسمة ) : بفتحتين أي : خلقها ، والنسمة النفس وكل دابة فيها روح فهي نسمة يشير بذلك إلى أن المحلوف به سبحانه هو الذي فطر الرزق وخلق المرزوق ، وكذلك كان يحلف إذا اجتهد في يمينه ( ما عندنا ) : جواب القسم أي : ليس عندنا أهل البيت ، وفي رواية فقال : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ( إلا ما في القرآن ) : أي : في المصحف ( إلا فهما يعطى رجل في كتابه ) : وفي رواية : إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن استثناء منقطع أو استثناء مما بقي من استثناء الأول ، وخلاصة أنه ليس عندنا غير القرآن إلا فهما إلخ . قال المظهر : يعني ما يفهم من فحوى كلامه ، ويستدرك من باطن معانيه التي هي غير الظاهر من نصه والمتلقى من لفظه ، ويدخل في ذلك جميع وجوه القياس والاستنباط التي يتوصل إليها من طريق الفهم والتفهم ، ولذلك قال ابن عباس : جميع العلم في القرآن لكن تقاصر عنه أفهام الرجال ( وما في الصحيفة ) : عطف على فهما . وفي رواية : وما في هذه الصحيفة . قال القاضي رحمه الله : إنما سأله ذلك ; لأن الشيعة كانوا يزعمون أنه صلى الله تعالى عليه وسلم خص أهل بيته لا سيما عليا رضي الله عنه بأسرار من علم الوحي لم يذكرها لغيره ، أو لأنه كان يرى منه علما وتحقيقا لا يجده في زمانه عند غيره فحلف أنه ليس شيء من ذلك سوى القرآن ، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوما دون قوم ، وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم واستعداد الاستنباط ، فمن رزق فهما وإدراكا وفق للتأمل في آياته والتدبر في معانيه فتح عليه أبواب العلوم ، واستثنى ما في الصحيفة احتياطا لاحتمال أن يكون فيها ما لا يكون عند غيره ، فيكون منفردا بالعلم ، والظاهر أن ما في الصحيفة عطف على ما في القرآن ، وإلا فهما استثناء منقطع وقع استدراكا عن مقتضى الحصر المفهوم من قوله : ما عندنا إلا ما في القرآن ، فإنه إذا لم يكن عنده إلا ما في القرآن ، والقرآن كما هو عنده فهو عند غيره ، فيكون ما عنده من العلوم يكون عند غيره لكن التفاوت واقع غير منكر ولا مدافع ، فبين أنه جاء من قبل الفهم والقدرة على الاستنباط واستخراج المعاني وإدراك اللطائف والرموز . ( قلت : وما في الصحيفة ؟ ) : وفي رواية : في هذه الصحيفة ( قال : العقل ) : أي : الدية وأحكامها يعني فيها ذكر ما يجب لدية النفس والأعضاء من الإبل ، وذكر أسنان تؤدى فيها وعددها على ما سيأتي في حديث عمرو بن شعيب . ( وفكاك الأسير ) : قال العسقلاني : بفتح الفاء ويجوز كسرها أي : فيها حكم تخليصه والترغيب فيه ، وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به ، ( وأن لا يقتل مسلم بكافر ) : أي : غير ذمي عند من يرى قتل المسلم بالذمي كأصحاب أبي حنيفة . قال القاضي قوله : ولا يقتل مسلم بكافر عام يدل على أن المؤمن لا يقتل بكافر قصاصا ، سواء الحربي والذمي ، وهو قول عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ، وبه قال عطاء وعكرمة والحسن وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب الثوري وابن شبرمة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وقيل : يقتل بالذمي ، والحديث مخصوص بغيره ، وهو قول النخعي والشعبي ، وإليه ذهب أصحاب أبي حنيفة لما روى عبد الرحمن بن السلماني أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " أنا أحق من أوفى بذمته " . ثم أمر به فقتل . وأجيب عنه : بأنه منقطع لا احتجاج به ، ثم إنه أخطأ إذ قيل : إن القاتل كان عمرو بن أمية الضمري ، وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين ومتروك بالإجماع ; لأنه روي أن الكافر كان رسولا ، فيكون مستأمنا والمستأمن لا يقتل به المسلم وفاقا ، وإن صح فهو منسوخ ، لأنه روي عنه أنه كان قبل الفتح ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت : " ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " .

[ ص: 2267 ] قال بعض علمائنا من الشراح : ومن جملة ما في الصحيفة : لعن الله من غير منار الأرض ، لعن الله من تولى غير مواليه ، ولعله لم يذكر جملة ما فيها إذ التفصيل لم يكن مقصودا أو ذكر ولم يحفظه الراوي . قلت : وفي رواية عن أبي الطفيل ذكرها الجزري قال : سئل علي رضي الله عنه : هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ فقال : ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما في قراب سيفي هذا . قال : فأخرج صحيفة مكتوب فيها : لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من سرق منار الأرض ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من آوى محدثا . قال الأشرف : فيه إرشاد إلى أن للعالم الفهم أن يستخرج من القرآن بفهمه ، ويستنبط بفكره وتدبره ما لم يكن منقولا عن المفسرين ، لكن بشرط موافقته للأصول الشرعية ، ففيه فتح الباب على ذوي الألباب . قال الطيبي رحمه الله : قول القاضي : والظاهر أن ما في الصحيفة عطف على ما في القرآن لعله تعريض بتوجيه الشيخ التوربشتي حيث قال : حلف حلفة أن ليس عنده من ذلك شيء سوى القرآن ، ثم استثنى استثناء أراد به استدراك معنى اشتبه عليهم معرفته فقال : إلا فهما يعطى رجل في كتابه ، والمعنى أن التفاوت في العلوم لم يوجد من قبل البلاغ ، وإنما وقع من قبل الفهم ، ثم قرن بذلك ما في الصحيفة احتياطا في يمينه وحذرا من أن يكون ما في الصحيفة عند غيره فحسب أنه عطف على قوله : إلا فهما ، ولو ذهب إلى إجراء المتصل مجرى المنقطع على عكس قول الشاعر


وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس



فيؤول قوله : إلا فهما يعطى بقوله ما يستنبط من كلام الله تعالى بفهم رزقه الله لم يستبعد ، فيكون المعنى ليس عندنا شيء قط إلا ما في القرآن ، وما في الفهم من الاستنباط منه ، وما في الصحيفة ، وقد علم وحقق أن الاستنباط من القرآن منه ، وأن ما في الصحيفة لا يخلو من أن يكون منصوصا في القرآن أو مستنبطا منه ، فيلزم أن لا شيء خارج عنه كما قال تعالى : ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهذا فن غريب وأسلوب عجيب ، فحينئذ يحسن من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أهل بيته من علم الوحي لما لم يخص به غيرهم ، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم جعله خليفة بعده قال أبو الحسن الصنعاني في الدر الملتقط : ومن الموضوع قولهم قال النبي صلى الله عليه وسلم في المرض الذي توفي فيه : " يا علي ادع بصحيفة ودواة " . فأملى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتب علي وشهد جبريل ثم طويت الصحيفة . قال الراوي : فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها وكتبها وشهدها فلا تصدقوه ، وقولهم : وصيي وموضع سري وخليفتي في أهلي وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب . ( رواه البخاري ) .

قال الجزري في أسنى المناقب : وكذا أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، واتفق البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي على إخراجه من طريق يزيد بن شريك التيمي ، وهو والد إبراهيم التيمي ولفظه : ما عندنا شيء يقرأ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة : المدينة حرام . ورواه الإمام أحمد في مسنده من طريق قيس بن عباد ، ومن طريق عامر الشعبي كلاهما عن علي رضي الله عنه ، وذكر الجزري بإسناده عن أبي الطفيل قال : قلنا لعلي رضي الله تعالى عنه : أخبرنا بشيء أسره إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما أسر إلي شيئا كتمه الله الناس ، ولكني سمعته يقول : " لعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من غير تخوم الأرض " . يعني المنار أي : العلامة . قال : هذا الحديث متفق على صحته من طريقه عن علي رضي الله عنه ، فأخرجه مسلم من هذه الطريق ولفظه : كنت عند علي فجاءه رجل فقال : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إليك ؟ فغضب ، فقال : ما كان يسر إلي شيئا يكتمه عن الناس غير أنه حدثني بكلمات قال : " لعن الله من لعن والديه " . الحديث . وكذا أخرجه النسائي ، وروى أحمد والنسائي وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعا : " لا يقتل مسلم بكافر " .

( وذكر حديث ابن مسعود : " لا تقتل نفس ظلما " . آخره إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ; لأنه أول من سن القتل . ( " في كتاب العلم " ) : فأسقطه المصنف عن تكرير ، ولا يخفى أنه لو أسقط الأول لكان أوفق بالباب ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية