ولو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمذان ادخلن بسلام
وتقدم حديث شراحة وفيه من رواية أحمد عن الشعبي أنه حفر لها إلى السرة ولا يحفر للرجل ، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر لماعز ، وتقدم من رواية مسلم ، وتقدم من روايته أيضا من حديث أبي بريدة الأسلمي أنه حفر له ، وهو منكر لمخالفته الروايات الصحيحة المشهورة والروايات الكثيرة والمتظافرة ، ولأن مبنى الحد على التشهير ، زاد في شهرة الرجل لأنه لا يضره ذلك ، ويكتفى في المرأة بالإخراج والإتيان بها إلى مجتمع الإمام والناس خصوصا في الرجم وأما في الجلد فقد قال تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أي الزانية والزاني واستحب أن يأمر الإمام طائفة أي جماعة أن يحضروا إقامة الحد ، وقد اختلف في هذه الطائفة فعن ابن عباس واحد ، وبه قال أحمد ، وقال عطاء ، وإسحاق اثنان ، وقال ثلاثة ، وقال الزهري عشرة ، وعن الحسن البصري ، الشافعي ومالك أربعة ، والربط والإمساك غير مشروع لقول ابن مسعود : ليس في هذه الأمة تجريد ولا مد . ولأن ماعزا انتصب لهم قائما ، لم يمسك ولم يربط ، إلا أن لا يصبر وأعياهم ، فحينئذ يمسك فيربط ( حتى إذا أدركناه بالحرة ) وهي أرض ذات حجارة سود بين جبلي المدينة ( فرجمناه حتى مات ) قال ابن الهمام : فإذا هرب في الرجم فإن كان مقرا لا يتبع ويترك ، وإن كان مشهودا عليه اتبع ، ورجم حتى يموت ; لأن هربه رجوع ظاهرا ، ورجوعه يعمل في إقراره لا في رجوع الشهود ، وذكر الطحاوي في صفة الرجل أن يصفوا ثلاثة صفوف كصفوف الصلاة كلما رجمه صف تنحوا ، ولم يذكره في الأصل بل في حديث علي في قصة شراحة على ما قدمناه من رواية البيهقي عن الأجلح عن الشعبي وفيه إحاطة الناس بها ، وأخذوا الحجارة قال : ليس هذا الرجم ، إذا يصيب بعضكم بعضا ، صفوا كصف الصلاة صفا خلف صف ، إلى أن قال : ثم رجمها ، فرجمها صف ثم صف ( متفق عليه ) . ( وفي رواية البخاري عن جابر بعد قوله قال : نعم ، فأمر به ، فرجم بالمصلى ) قال النووي : قالوا المراد به مصلى الجنائز . وتشهد له الرواية الأخرى في بقيع الغرقد ، وهو موضع الجنائز بالمدينة قال البخاري وغيره : فيه دليل على أن مصلى الجنائز والأعياد إذا لم يجعل مسجدا لم يثبت له حكم المسجد ، إذ لو كان له حكمه لاجتنب الرجم فيه لتلطخه بالدماء . وقال الدارمي : عن أصحابنا أن مصلى العيد وغيره إذا لم يكن مسجدا هل يثبت له حكم المسجد ؟ فيه وجهان ، أصحهما له حكم المسجد ، قال ابن الهمام : ولا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء ولا تعزير ، إلا ما روي عن مالك أنه لا بأس بالتأديب في المسجد خمسة أسواط ، قال أبو يوسف : أقام الحد في المسجد فخطأه ابن أبي ليلى أبو حنيفة ، وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال : جنبوا مساجدكم صبيانكم ، ومجانينكم ، ورفع أصواتكم ، وشراءكم ، وبيعكم ، وإقامة حدودكم ، وجمروها في جمعكم ، وضعوا على أبوابها المظاهر . ولأنه لا يؤمن خروج النجاسة من الحد فيجب نفيه عن المسجد ( فلما أذلقته ) أي مسته وأصابته وأقلقته ( الحجارة ) أي طرفها الحاد ( فر فأدرك ) بصيغة المجهول من الإدراك بمعنى اللحوق ( فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه سلم ) أي أثنى عليه بعد موته ( خيرا وصلى عليه ) قال النووي : اختلفوا في المحصن إذا أقر بالزنا ، وشرعوا في رجمه فهرب هل يترك أم يتبع ليقام عليه الحد ؟ قال وأحمد وغيرهما : يترك ولكن يستقال له فإن رجع عن الإقرار ترك ، وإن أعاده رجم ، واحتجوا بما جاء في رواية الشافعي أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هلا تركتموه ولعله يتوب فيتوب الله عليه . قلت : الحديث دل على أنه يترك مطلقا . قال : وقال مالك وغيره أنه يتبع ويرجم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد هربه ، وأجيب عن هذا بأنه لم يصرح بالرجوع ، وقد ثبت عليه الحد ، قلت : الظاهر أنهم لم يعرفوا الحكم قبل ذلك والجهل به عذر .