صفحة جزء
[ ص: 2405 ] 3691 - وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان ; بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه ، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمه الله " . رواه البخاري .


3691 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بعث الله من نبي ) ; أي نبيا ( ولا استخلف من خليفة ) ; أي إماما بعده ، أو ما في معناه من كل أحد ( إلا كانت له ) ; أي لكل منهما ( بطانتان ) بكسر الموحدة ; أي وزيران ومشيران ، مشبهان بالبطانة لملازمته بحيث لا ينفكان عن صحبته ، ( بطانة تأمره بالمعروف ) ; أي بالخير ( وتحضه ) بتشديد الضاد ; أي تحثه عليه وترغبه إليه وتحسنه لديه ( وبطانة تأمره بالشر ; أي بالمنكر ( وتحضه عليه ) ; أي تحرضه عليه ، والحاصل أنه لا يخلو نبي ، أو من يخلف مكانه من شخصين مختلفين ، أو جماعتين متضادتين في الرأي ; كما هو مشاهد في جلساء الملوك والأمراء ، ( والمعصوم ) ; أي من النبي والخليفة ( من عصمه الله ) ; أي من صاحب الشر وقبول كلامه ، والتوفيق بمتابعة الخير وقضاء مرامه ، والمعصوم من البطانتين من حفظه الله من الشر ووفقه للخير . هذا وفي النهاية بطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره ، الذي يشاوره في أحواله ، الكشاف في قوله تعالى : لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا بطانة الرجل ; ذو وليجته وخصيصه ، وصفيه الذي يفضي إليه بحوائجه ثقة به ، شبه ببطانة الثوب ، كما يقال فلان شعاري .

قال الطيبي : فإن قلت : البطانة في الحديث على هذا المعنى ، قد تتصور في بعض الخلفاء ، ولكنها منافية بحال الأنبياء ، وكيف لا وقد نهى الله تعالى عامة المؤمنين عن ذلك في الآية السابقة ، قلت : الوجه ما روى الأشرف عن بعضهم ; أن المراد بأحدهما الملك ، وبالثاني الشيطان ، ويريده قوله : والمعصوم من عصمه الله ، فإنه بمنزلة قوله عليه الصلاة والسلام : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " . أقول : ويؤيد الأول ما في الترمذي من حديث أبي الهيثم ، وضيافته له عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في حائط له من ذبح الغنم وإحضار الرطب والماء العذب إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم - : " هل لك خادم " قال لا " قال : فإذا أتانا سبي فأتنا " فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برأسين ليس معهما ثالث ، فأتاه أبو الهيثم فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : " اختر منهما " فقال : يا نبي الله اختر لي فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن المستشار مؤتمن فخذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفا " فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت امرأته : ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إلا أن تعتقه ، قال : فهو عتيق ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وقي " . ( رواه البخاري ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية