صفحة جزء
3789 - وعنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي ; أن أرجعه بما نال من أجر وغنيمة ، أو أدخله الجنة " . متفق عليه .


3789 - ( وعنه ) ; أي عن أبي هريرة رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : انتدب الله ) : أي ضمن ( لمن خرج في سبيله ) : أي الجهاد ( لا يخرجه ) : أي حال كونه لا يكون باعث خروجه ( إلا ; إيمان بي وتصديق برسلي ) ، فيه التفات وفي جمع الرسل إشارة إلى أن تصديق واحد تصديق للكل ، أو إيماء إلى تعظيمه فإنه قام مقام الكل ( أن أرجعه ) : بفتح همزة وكسر جيم ; أي أرده ( بما نال ) : أي أدرك ( من أجر ) : أي فقط إن لم يغنم شيئا ( أو غنيمة ) ; أي معها أجر فأو للتنويع ، وكذا في قوله : ( أو أدخله الجنة ) ، عطفا على أرجعه ; أي دخولا أوليا . وفي النهاية : انتدب الله ; أي أجابه إلى غفرانه ، يقال : ندبته فانتدب ; أي بغيته ودعوته ، فأجاب ، وقال التوربشتي : وفي بعض طرقه تضمن الله ، وفي بعضها تكفل الله ، وكلاها أشبه بنسق الكلام من قوله : انتدب الله وكل ذلك صحاح . قال الطيبي ، قوله : أن أرجع متعلق بانتدب بحرف الجار على تضمين تكفل ; أي : تكفل الله بأن يرجعه ، فأرجعه حكاية قول الله تعالى ، ولعل انتدب اشبه وأبلغ ، ولأنه مسبوق بدعوة الداعي مثل صورة خروج المجاهد في سبيل الله بالداعي الذي يدعو لله ، ويندبه لنصرته على أعداء الدين وقهره أحزاب الشياطين ، ونيل أجوره والفوز بالغنيمة على الاستعارة التمثيلية ، وكان المجاهد في سبيل الله الذي لا غرض له في جهاده سوى التقرب إلى الله تعالى ووصلة ينال

[ ص: 2456 ] بها الدرجات العلى تعرض بجهاده لطلب النصر والمغفرة ، فأجابه الله تعالى لبغيته ووعد له إحدى الحسنيين ، إما السلامة والرجوع بالأجر والغنيمة . وإما الوصل إلى الجنة والفوز بمرتبة الشهادة ، وقوله : ( بما نال ) على لفظ الماضي ; وارد على تحقق وعد الله تعالى وحصوله ، وقوله : ( إلا ; إيمان بي ) بالرفع ، وقال النووي : ( إيمانا وتصديقا ) بالنصب في جميع نسخ مسلم على أنه مفعول له ; أي : لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا إيمانا وتصديقا . قال الطيبي : على رواية الرفع المستثنى منه أعم عام الفاعل ; أي لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا إيمان وتصديق ، وعلى رواية النصب المستثنى منه أعم عام المفعول له ; أي : لا يخرجه المخرج ولا يحركه المحرك لشيء من الأشياء إلا للإيمان والتصديق . وقال الأشرف : في الكلام إضمار ; أي انتدب الله لمن خرج في سبيله قائلا لا يخرجه إلا إيمان بي . قلت : فالجملة مقول القول ، وهو حال عن الله ، والأظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - نقل كلامه تعالى أولا بالمعنى ، ثم عاد إلى نقل نظمه ، فكأنه قال : انتدبت لمن خرج في سبيلي إلخ . وقال الطيبي : والأوفق أن يكون التفاتا إذ لو قيل لا إيمان به لكان مجرى على الظاهر ، ولم يفتقر إلى الإضمار ، فعدل تفخيما لشأن المخرج ومزيدا لاختصاصه وقربه ، والجار من أن أرجعه محذوف ; أي أجاب الله دعاءه بأن قال : إما أن أرجعه بما نال من أجر ، أو غنيمة . قال التوربشتي : يروى ، أو غنيمة وهو لفظ الكتاب ، ويروى بالواو وهو أوجه الروايتين وأسدهما معنى . قلت : فيه بحث إذ يلزم أن لا يرجع المجاهد إلا بالجمع بين الأجر والغنيمة وهي قد تحصل وقد لا تحصل ، فالرواية بأو هي الأصل والأولى ، وتحمل الواو على معناها ليتم المعنى على المبنى ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : معناه أرجعه إلى مسكنه مع ما حصل له من الأجر بلا غنيمة إن لم يغنموا ، أو مع الأجر والغنيمة معا إن غنموا ، وقيل : إن ( أو ) هنا بمعنى الواو ; أي من أجر وغنيمة إذ وقع بالواو في رواية أبي داود ، وكذا في صحيح مسلم في رواية يحيى بن يحيى .

قال الطيبي : ( أو ) بمعنى الواو ورد في التنزيل منه قوله تعالى : ( عذرا أو نذرا ) كذا ذكره القتيبي . قلت : لا مانع من ورود ( أو ) بمعنى الواو ، وإنما الكلام في صحة إيراده هاهنا على ما سبق في تحقيق المعنى ، مع أن المثال المذكور ليس فيه نص أن أو بمعنى الواو ، بل الظاهر أن ( أو ) فيه للتنويع ; أيضا إما بالنسبة إلى الملقيات ، أو بالإضافة إلى المكلفين . قال الطيبي : قوله : أو غنيمة عطف على أجر ، وأدخله على أرجعه فيكون صلة أن ، والتقدير أن الله تعالى أجاب الخارج في سبيله إما بأن يرجعه إلى مسكنه مع أجر بلا غنيمة ، أو أجر مع غنيمة ، وإما أن يستشهد فيدخله الجنة . قال النووي : قال القاضي عياض : يحتمل أن يدخله عند موته كما قال تعالى : في الشهداء : ( أحياء عند ربهم يرزقون ) وأن يراد دخوله الجنة مع السابقين المقربين بلا حساب ولا عذاب ، وتكون الشهادة مكفرة لذنوبه . ( متفق عليه ) . ورواه النسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية