صفحة جزء
3793 - وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " رباط يوم وليلة في سبيل الله ، خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان " . رواه مسلم .


3793 - ( وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه ) : بكسر الراء ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ) ، فيه لف ونشر مرتب . قال السيوطي : الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم ، وقال بعض الشراح من علمائنا : الرباط المرابطة ، وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغرهم وهؤلاء خيولهم في ثغرهم ، ويكون كل منهم معدا لصاحبه مترصدا لمقصده ، ثم اتسع فيها ، فأطلقت على ربط الخيل والاستعداد بغزو العدو ، والحديث يحتمل المعنيين اه . وكأنه أخذ من قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) الآية . ويدل عليه إطلاق قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ) الآية . وروى البخاري عن أبي هريرة ، عنه - صلى الله عليه وسلم - : " من احتبس فرسا في سبيل الله ; إيمانا بالله وتصديقا بوعده ، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة " . وفي النهاية : الرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها ، والمرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدا لصاحبه ، وسمي المقام في الثغور رباطا ، فيكون الرباط مصدر رابطت ; أي لازمت ، وفي المقدمة : الرباط ملازمة الثغر للجهاد ، وأصله الحبس ; كأن المرابط حبس نفسه [ ص: 2458 ] فيه على الطاعة ، والثغر ما يلي دار العدو . ( وإن مات ) : أي المرابط بدلالة الرباط في ذلك المقام ، أو في تلك الحالة ( جرى عليه عمله ) : أي ثواب عمله ( الذي كان يعمله ) : أي في حياته ، والمعنى أنه يصل إليه ثواب عمله أبدا . قال النووي : هذه فضيلة مختصة بالمرابط لا يشاركه فيها غيره ، وقد جاء مصرحا في غير مسلم : كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة . ( وأجري عليه ) : بصيغة المجهول ; أي أوصل إليه ( رزقه ) ; أي من الجنة قال الطيبي : ومعنى جرى عليه عمله كقوله جرى عليه القضاء ; أي : يقدر له من العمل بعد الموت ، كما جرى منه قبل الممات ، فجرى هنا . بمعنى قدر ، ونحوه في المريض قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا " . قلت : وكذا ورد في المسافر والشيخ الكبير . قال : ولما كان قوله - صلى الله عليه وسلم - : " وأجري عليه رزقه " تلميحا إلى قوله تعالى : ( يرزقون ) أجري مجراه في البناء للمفعول ( وأمن الفتان ) . بفتح الفاء وتشديد التاء ; أي عذاب القبر وفتنته ، ويؤيده الحديث الآتي في الفصل الثاني ، أو الذي يفتن المقبور بالسؤال فيعذبه ، وقيل : أراد الدجال ، وقيل : الشيطان فإنه يفتن الناس بخدعه إياهم وبتزيين المعاصي لهم . وفي نسخة بضم الفاء .

وقال شارح للمصابيح من علمائنا : ويروى الفتان جمع فاتن ; أي نار محرقة ، أو الزبانية الذين يعذبون الكفار . قال النووي : ضبطوه من وجهين . أحدهما : بفتح الهمزة وكسر الميم ، والثاني أومن بضم الهمزة وإثبات الواو ، والفتان رواية الأكثرين بضم الفاء جمع فاتن ، ورواية الطبراني بالفتح ، وفي سنن أبي داود وأمن من فتنة القبر . قال الطيبي : إذا روي بالفتح فالوجه ما قيل : من أن المراد منه الذي يفتن المقبور بالسؤال فيعذبه ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فيقيض له أعمى أصم " وإن روي بالضم فالأولى أن يحمل على أنواع من الفتن بعد الإقبار من ضغطة القبر والسؤال والتعذيب في القبر ، وبعده من أهوال القيامة . ( رواه مسلم ) .

قال ابن الهمام : زاد الطبراني : وبعث يوم القيامة شهيدا ، وروى الطبراني بسند ثقات في حديث مرفوع " من مات مرابطا أمن من الفزع الأكبر " ولفظ ابن ماجه بسند صحيح : " وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع " وعن أبي أمامة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ، ونفقته الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره " . والأحاديث في فضله كثيرة ، واختلف المشايخ في المحل الذي يتحقق فيه الرباط ، فإنه لا يتحقق في كل مكان ، ففي النوازل أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام ; لأن ما دونه لو كان رباطا ، فكل المسلمين في بلادهم مرابطون ، ويؤيدها في حديث معاذ بن أنس رضي الله عنهما ، عنه عليه الصلاة والسلام : " من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ، فإن الله تعالى يقول : ( وإن منكم إلا واردها ) . رواه أبو يعلى ، لكن ليس يستلزم كون ذلك باعتبار المكان ، فقد وردت أحاديث كثيرة ليس فيها سوى الحراسة في سبيل الله . ولتختم هذه المقدمة بحديث البخاري ، عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة " زاد في رواية : " وعبد القطيفة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتعش ، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية