صفحة جزء
3802 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون الدم ، والريح ريح المسك " . متفق عليه .


3802 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يكلم ) : بصيغة المفعول من الكلم وهو الجرح ; أي يجرح ( أحد في سبيل الله ) : قال السيوطي : أي سواء مات صاحبه منه أم لا . كما يؤخذ من رواية الترمذي ( والله أعلم بمن يكلم في سبيله ) : جملة معترضة بين المستثنى والمستثنى منه مؤكدة مقررة لمعنى المعترض فيه ، وتفخيم شأن من يكلم في سبيله ، ومعناه والله أعلم بعظم شأن من يكلم في سبيل الله ونظيره قوله تعالى : ( قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ) وقوله : ( والله أعلم بما وضعت ) معترض بين كلامي أم مريم تعظيما لموضوعها وتجهيلا لها بقدر ما وهب لها ، والمعنى والله أعلم بالشيء الذي وضعت ، وما علق به من عظائم الأمور ، ويجوز أن يكون تتميما للصيانة من الرياء والسمعة .

[ ص: 2463 ] قلت : هذا هو الظاهر ، ثم الأول إنما يتمشى كونه تنظيرا على قراءة من قرأ وضعت بصيغة الغائبة لا على قراءة من قرأ بصيغة المتكلم كما لا يخفى ، وقد قال النووي : هذا تنبيه على الإخلاص في الغزو ، وأن الثواب المذكور فيه إنما هو لمن أخلص فيه لتكون كلمة الله هي العليا ، وهذا الفضل وإن كان ظاهرا في قتال الكفار لكن يدخل فيه من جرح في قتال البغاة ، وقطاع الطريق ، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك . ( إلا جاء يوم القيامة وجرحه ) : بضم أوله ( يثعب ) : قال السيوطي : بسكون المثلثة وفتح العين المهملة وموحدة . وفي شرح مسلم ; أي يجري منفجرا ; أي كثيرا ، وهو معنى الرواية الأخرى يتفجر ( دما ، اللون لون الدم ) : وفي نسخة لمسلم : لون دم ( والريح ريح المسك ) : قال النووي : الحكمة في مجيئه كذلك أن يكون معه شاهد في فضيلته وبذل نفسه في طاعة الله تعالى . قال التوربشتي : ثعبت الماء فجرته فانثعب ، إضافة الفعل إلى الجرح لأنه السبب في فجر الدم ودما يكون مفعولا ، ولو أراد به التمييز لكان من حقه أن يقول : ينثعب دما ، أو يثعب على بناء المجهول ولم أجده رواية . قال الطيبي : مجيئه متعديا نقل عن الجوهري ، وظاهر كلام صاحب النهاية أنه لازم حيث فسره بقوله يجري ، ولأنه جاء في حديث آخر وجرحه يشخب دما ، والشخب السيلان ، وقد شخب يشخب ويشخب ، فحينئذ يكون من قبيل قوله تعالى : ( وأعينهم تفيض من الدمع ) فإن الظاهر أن يقال : إن الدمع يفيض من العين ، فجعل العين فائضة مبالغة ، وكذلك الدم السائل من الجرح لا الجرح سائل اه . ويؤيد الشيخ ما في القاموس : ثعب الماء والدم ; أي كمنع فجره فانثعب ، لكن المفهوم من التاج أنه لازم ومتعد ، كذا في دستور اللغة : ثعب الدم ; أي سال وأسال ، وفي المشارق للقاضي عياض : ثعب تفجر ، وكذلك قوله : يثعب فيه ميزابان ، وكأن الشيخ لم يطلع على مجيئه لازما ، وأما حديث يشخب فغير حجة عليه كما لا يخفى . ( متفق عليه ) : رواه الترمذي والنسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية