برئت ممن شرى دنيا بآخرة
وقال : إن رسول الله قد كتبا فجمعهم الأمير فاستظهر الباجي عليهم بما لديه من المعرفة وقال : هذا لا ينافي القرآن بل يؤخذ من مفهوم القرآن ; لأنه قد قيد النفي بما قبل ورود القرآن . قال تعالى : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ) وبعد ما تحققت وتقررت بذلك معجزته وأمن الارتياب في ذلك لا مانع من أن يعرف الكتابة بعد ذلك [ ص: 2616 ] من غير تعلم ، فيكون معجزة أخرى ، وذكر ابن دحية أن جماعة من العلماء وافقوا الباجي على ذلك منهم شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء أفريقية واحتج بعضهم لذلك بما أخرجه من طريق ابن أبي شيبة مجالد عن عون بن عبد الله : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ . قال مجالد : فذكرته للشعبي فقال : صدق قد سمعت من يذكر ذلك . وقال القاضي عياض : وردت آثار تدل على معرفته حروف الخط وحسن تصويرها كقوله لكاتبه : ضع القلم على أذنيك ، فإنه أذكر لك وقوله لمعاوية : ( ألق الدواة وحرف القلم وفرق السين ولا تغور الميم ) إلى غير ذلك . قال : وهذا وإن لم يثبت أنه كتب ، فلا يبعد أن يرزق علم وضع الكتابة فإنه أوتي علم كل شيء وأجاب الجمهور بضعف هذه الأحاديث . وعن قصةالحديبية بأن القصة واحدة ، والكاتب فيها هو رضي الله عنه ، وقد صرح في حديث علي بن أبي طالب بأن المسور بن مخرمة عليا هو الذي كتب ، فيحمل على أن النكتة في قوله : فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب لبيان أن قوله : ( أرني مكانها ) أنه ما احتاج إلى أن يريه موضع الكلمة التي امتنع علي من محوها إلا لكونه كان لا يحسن الكتابة ، وعلى أن قوله بعد ذلك : فكتب فيه حذف تقديره فمحاها ، فأعادها لعلي فكتب ، أو أطلق بمعنى أمر بالكتابة ، وهو كثير كقوله : كتب إلى كسرى وقيصر ، وعلى تقدير حمله على ظاهره ، فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم ، وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالما بالكتابة ، ويخرج عن كونه أميا ككثير من الملوك ، ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها ، فخرج المكتوب على وفق المراد فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة ، ولا يخرج بذلك عن كونه أميا ، وبهذا أجاب أحد أئمة الأصول من أبو جعفر السمناني الأشاعرة ، وتبعه ، وتعقب ذلك ابن الجوزي السهيلي وغيره : بأن هذا وإن كان ممكنا ويكون آية أخرى لكنه يناقض كونه أميا لا يكتب ، وهي الآية التي قامت بها الحجة ، وأفحم الجاحد ، وانحسمت الشبهة ، فلو جاز أن يصير يكتب بعد ذلك لعادت الشبهة . وقال المعاند : كان يحسن أن يكتب ، لكنه كان يكتم ذلك والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضا والحق أن معنى قوله : فكتب أمر عليا أن يكتب اهـ . قال : وفي دعوى أن كتابة اسمه الشريف فقط على هذه الصورة يستلزم مناقضة المعجزة ، إذ يثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم اهـ .