صفحة جزء
4187 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مقعيا يأكل تمرا . وفي رواية : يأكل منه أكلا ذريعا . رواه مسلم .


4187 - ( وعن أنس - رضي الله عنه - قال : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - مقعيا ) : اسم فاعل من الإقعاء ( يأكل تمرا ) : حال أو مفعول ثان ، ومقعيا حال أي : جالسا على وركيه رافعا ركبته وهي الجلسة المنهي عنها في الصلاة ، كذا ذكره بعض الشراح من علمائنا ، وقيل : الإقعاء المنهي عنه في الصلاة ، هو أن يجلس واضعا إليتيه على عقبيه ، والأظهر أن كليهما مكروه في الصلاة ، وإنما لم يكره هنا لأن ثم فيه تشبيه بالكلاب ، وهنا تشبيه بالأرقاء ، ففيه غاية التواضع أو مبنى الصلاة على التأني فلا يناسبه الإقعاء ، بخلاف حال الأكل ، فإنه يلائمه العجلة ليفرغ للعبادة . قال النووي : معناه في هذا الحديث جالسا على إليتيه ناصبا ساقيه ، وهو في معنى الحديث الآخر في صحيح البخاري : " لا آكل متكئا " على ما فسره الإمام الخطابي يعني : لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ، ويقعد له متمكنا ، بل أقعد مستوفزا وآكل قليلا ، قلت : ويؤيده ما رواه ابن سعد وغيره عن عائشة : " آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد " .

( وفي رواية ) : أي : لمسلم ( يأكل منه ) : أي من التمر ( أكلا ذريعا ) : أي مستعجلا سريعا ، قال النووي : و كان استعجاله لاستيفازه لأمر أهم من ذلك ، فأسرع في الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ، ثم يذهب في ذلك الشغل . ( رواه مسلم ) : وفي الشمائل للترمذي عن أنس - رضي الله تعالى عنه أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتمر فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع أي : لأجله ، والمعنى أن إقعاءه وإسراعه كان لأجل جوعه ، ووقع في بعض الروايات : " وهو محتفز " . قال الجوهري : الإقعاء عند أهل اللغة أن يلصق الرجل إليتيه بالأرض ، : وينصب ساقيه ، ويتساند ظهره ، وقال الفقهاء في الإقعاء المنهي للصلاة هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين [ ص: 2704 ] السجدتين . قال الجزري في النهاية : ومن الأول حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأكل مقعيا أي : يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن ، وتبعه العسقلاني ، وفي القاموس : أقعى في جلوسه أي : تساند إلى ما وراءه ، وحينئذ فيجمع بين قوله ونقل الجوهري عن اللغويين والفقهاء بالجمع بين هيئة الاحتباء والتساند إلى الوراء ، فمعنى " وهو مقع من الجوع " محتبيا مستندا لما وراءه من الضعف الحاصل له بسبب الجوع ، وبما تحرر تقرر أن الاستناد ليس من مندوبات الأكل ، بل من ضروراته لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله إلا لذلك الضعف الحاصل له الحامل عليه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية