ثم قال : ومن فوائد الحديث : الانتفاع بثياب الكفار حتى يتحقق نجاستها ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لبس الجبة الرومية ولم يستفصل ، واستدل به القرطبي على أن الصوف لا ينجس بالموت ; لأن الجبة كانت شامية ، وكانت الشام إذ ذاك دار كفر ، ومنها : جواز لبس الصوف ، وكره مالك لبسه لمن يجد غيره لما فيه من الشهرة بالزهد ; لأن إخفاء العمل أولى قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : ولم ينحصر التواضع في لبسه ، لمن في القطن وغيره مما هو بدون ثمنه . قلت : وقد روى البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت : أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشهرتين رقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ، ولكن سداد فيما بين ذلك واقتصاد ، وهذا هو المختار عند السادة النقشبندية ، وأما أكثر طوائف الصوفية فاختاروا لبس الصوف ; لأنهم لم يلبسوا لحظوظ النفس ما لان مسه وحسن منظره ، وإنما لبسوا لستر العورة ودفع الحر والقر ، فاجتزوا بالخشن من الشعر والغليظ من الصوف ، وقد وصف nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة وفضالة بن عبيد أصحاب الصفة ، بأنهم كان لباسهم الصوف حتى إن كان بعضهم ليعرق فيه ، فيوجد منه ريح الضأن إذا أصابه المطر ، وقد نقل السيوطي في الدر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما : أن أول من لبس الصوف آدم وحواء لما هبطا من الجنة إلى الأرض ، وفي التعرف قال nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبيا حفاة ، عليهم العباء ، يؤمون البيت العتيق " ، والروحاء موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة على ما في القاموس ، وقال الحسن : كان عيسى - عليه السلام - يلبس الشعر ، ويأكل الشجر ، ويبيت حيث أمسى . وقال أبو موسى : كان - عليه السلام - يلبس الشعر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : لقد أدركت سبعين بدريا ما كان لباسهم إلا الصوف .
وذكر الغزالي في منهاج العابدين أن فرقدا السبخي دخل على الحسن ، وعليه كساء وعلى الحسن حلة ، فجعل يلمسها فقال له الحسن : ما لك تنظر إلى ثيابي ؟ ثياب أهل الجنة ، وثيابك ثياب أهل النار . بلغني أن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ، ثم قال الحسن : جعلوا الزهد في ثيابهم ، والكبر في صدورهم ، والذي يحلف به لأحدكم لكسائه أعظم كبرا من صاحب المطرف . بمطرفه ، وإلى هذا المعنى يشير nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري حيث قال :
تصوف فازدهى بالصوف جهلا وبعض الناس يلبسه مجانة يريك مهانة ويريك كبرا وليس الكبر من شكل المهانة تصوف كي يقال له أمين وما يغني تصوفه الأمانة ولم يرد الإله به ولكن أراد به الطريق إلى الخيانة
هذا : وقيل فيه ندب اتخاذ ضيق الكم في السفر لا في الحضر ; لأن أكمام الصحابة - رضي الله عنهم - كانت واسعة ، قال ابن حجر : وإنما يتم ذلك إن ثبت أنه تحراها للسفر ، وإلا فيحتمل أنه لبسها للدفاء من البرد أو لغير ذلك ، وأما ما نقل عن الصحابة من اتساع الكم ، فمبني على توهم أن الأكمام جمع كم وليس كذلك ، بل جمع كمة ، وهي ما يجعل على الرأس كالقلنسوة ، فكأن قائل ذلك لم يسمع قول الأئمة : إن من البدع المذمومة اتساع الكمين اهـ . ويمكن حمل هذا على السعة المفرطة وما نقل عن الصحابة على خلاف ذلك وهو ظاهر ، بل متعين ; ولذا قال في النتف من كتب أئمتنا : إنه يستحب اتساع الكم قدر شبر ( متفق عليه ) : ورواه مالك ، وأحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .