صفحة جزء
4388 - وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه ، فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه . متفق عليه .


4388 - ( وعنه ) : أي عن أنس ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه ) : أي في أوائل زمانه ( فيه ) : أي مركب في الخاتم ( فص حبشي ) : قيل : صانعه أو صانع نقشه حبشي أو أتي به من الحبش كما سبق ، فلا ينافيه كون فصه منه على أن التعدد متعين فيه لورود الأحاديث الدالة عليه ، منها رواية البخاري ; ولذا قال ابن عبد البر : أنه أصح ، وقال بعض الشراح من علمائنا : معناه أسود اللون يعني العقيق اهـ ، ومعناه أنه أسود على لون الحبشة بأن تضرب حمرته إلى السواد ، وإلا فمعدن العقيق هو اليمن ، ويؤيده ما قال قاضيخان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتختم بالعقيق ، وكان في شرعة الإسلام التختم بالفضة والعقيق سنة ، لكن قال شارحه : ينبغي أن يعلم أن التختم بالعقيق قيل : حرام لكونه حجرا ، وهو المختار عند أبي حنيفة ، وقيل : يجوز التختم بالعقيق ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " تختموا بالعقيق ; فإنه مبارك " اهـ .

الظاهر أن الخلاف في الحلقة لا الفص ، حتى يجوز أن يكون الفص من الحجر ، والحلقة من الفضة بلا خلاف ، وقد ورد صريحا في خبر ذكره السيد جمال الدين في روضة الأحباب : أن فص خاتمه - صلى الله عليه وسلم - كان عقيقا . وفي النهاية : يحتمل أنه أراد من الجزع أو من العقيق ; لأن معدنهما اليمن والحبشة ، أو نوعا آخر ينسب إليها اهـ ، وقيل : كان جزعا أو عقيقا ، وقيل حبشيا ; لأنه يؤتى بهما من بلاد اليمن ، وهو من كورة الحبشة وقيل : معنى فصه منه أن موضع فصه منه ، فلا ينافي كون فصه حجرا .

قال بعض الشراح : وأما ما روي في التختم بالعقيق من أنه ينفي الفقر وأنه مبارك ، وأن من تختم به لم يزل في خير ، فكلها غير ثابتة على ما ذكره الحفاظ ، وفي حديث ضعيف : أن التختم بالياقوت الأصفر يمنع الطاعون والله أعلم . قلت : حديث : " تختموا بالعقيق ; فإنه مبارك " رواه العقيلي في الضعفاء ، وابن لال في مكارم الأخلاق ، والحاكم في تاريخه ، والبيهقي والخطيب وابن عساكر والديلمي في مسند الفردوس عن عائشة - رضي الله عنها - وكثرة الطرق تدل على أن الحديث له أصل . وروى ابن عدي في الكامل ، عن أنس بلفظ : " تختموا بالعقيق ; فإنه ينفي الفقر " . ( كان يجعل فصه مما يلي كفه ) : استئناف بيان ( رواه مسلم ) . وحديث " كان يجعل فصه مما يلي كفه " رواه ابن ماجه عن أنس ، وعن ابن عمر أيضا . قال القاضي : روي مثل ذلك أي لبس الخاتم في اليمين ، عن عبد الله بن جعفر ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعائشة وقد روى ثالث عن أنس أنه قال : كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه ، وأشار إلى الخنصر في يده اليسرى ، وروى نافع عن ابن عمر مثله ، ولا تعارض بينهما لجواز أنه فعل الأمرين ، فكان يتختم في اليمين مرة وفي اليسرى أخرى حسبما اتفق ، وليس ، في شيء منها ما يدل صريحا على المداومة والإصرار على واحد منهما . قلت : قد صرح البيهقي بأن الأول منسوخ . وأخرج ابن عدي وغيره : أنه - صلى الله عليه وسلم - تختم في يمينه ، ثم حوله في يساره اهـ . فكأن من فعل خلافه لم يصل إليه النسخ ، وأقله أن يقال : التختم في اليسرى أفضل " كما هو الصحيح من مذهبنا ; لأنه أبعد من الإعجاب والزهو كجعل فصه مما يلي كفه . قال النووي : وقد أجمعوا على جواز التختم في اليمين ، وعلى جوازه في اليسرى ، واختلفوا في أيهما أفضل ، والصحيح في مذهبنا أن اليمين أفضل ; لأنه زينة ، واليمين أشرف وأحق بالزينة والإكرام اهـ . وفيه أن الأولى أن لا يقصد بلبسه الزينة ، فإنه قيل بكراهته ، بل يلبسه للحاجة أو متابعة للسنة .

[ ص: 3801 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية