4521 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أخي استطلق ) : بضم التاء وكسر اللام وفي نسخة بفتحهما أي مشى ( بطنه ) : وهو بالرفع لا غيره واستطلاق البطن مشيه وهو تواتر الإسهال ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : ( اسقه ) : بكسر الهمز وجوز فتحها أي أطعم أخاك ( عسلا ) : وظاهر الأمر بسقيه أنه كان صرفا ، ويحتمل أن يكون ممزوجا . وفي حديث ابن مسعود : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10364719عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " ، كما سيأتي . وعن علي - رضي الله عنه : إذا اشتكى أحدكم ، فليستوهب من امرأته من صداقها فلتشتر له عسلا ، ثم يأخذ من ماء السماء فيجتمع هنيئا مريئا شفاء مباركا .
( فسقاه ، ثم جاء ، فقال : سقيته فلم يزده إلا استطلاقا . فقال له : ثلاث مرات ) : أي اسقه عسلا . قال ابن الملك : أمره - صلى الله عليه وسلم - كان بعلمه أن السبب اجتماع الفضلات البلغمية اللزجة التي تدفعها بذلك مرة بعد أخرى ليسهل باقيها . وقال السيد جمال الدين في روضة الأحباب : الحكمة في تكرار الأمر أن سقي العسل لا بد له من كمية وكيفية مختلفتين بحسب اختلاف أحوال المريض ، فإنه إن زيد يسقط في قوته ، وإن نقص لا يزيل المرض ولا يفيده ، ولما لم يسقه .
[ ص: 2864 ] المقدار المطلوب المقاوم للمرض أمره بالزيادة إلى أن يحصل الشفاء . ( ثم جاء الرابعة ) : أي جاء في المرة الرابعة ، وقال ما سبق ( فقال : اسقه عسلا فقال : لقد سقيته ) : أي ثلاث مرات ، وهو المقدار المتعارف في تكرار العلاج ( فلم يزده إلا استطلاقا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : صدق الله ) : أي فيما قال ، كما قال بعض الشراح . وقال فيه شفاء للناس ابن الملك أي كون شفاء ذلك البطن في شربه العسل قد أوحي إليه ، والله تعالى صادق فيه ، وهذا التوجيه أولى مما قاله بعض الشراح من أن المراد به قوله تعالى : فيه شفاء للناس لأن الآية لا تدل على أنه شفاء من كل داء . قلت : ظاهره الإطلاق وإثبات الوحي يحتاج إلى دليل ( وكذب بطن أخيك ) : أي أخطأ تقول العرب : كذب سمعي إذا أخطأ ، وأراد بخطئه عدم حصول الشفاء له ، وذلك لأن نيته في شربه لم تكن خالصة أو لأن الدواء لم يعمل عمله ، ذكره ابن الملك . قال الخطابي : يعني صدق الله في قوله بأن العسل شفاء للناس ، وكذب بطن أخيك حيث لم يحصل له الشفاء بالعسل اهـ .
والمعنى على المجاز أي : أنه لم يصلح لقبول الشفاء في أنه لم يصبه الدواء بعد خطئه . قال النووي : هذا تصريح بأن الضمير في قوله تعالى فيه شفاء للناس يعود إلى الشراب الذي هو العسل ، وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم . وقال مجاهد : الضمير راجع إلى القرآن ، وهو ضعيف مخالف لظاهر القرآن ولصريح هذا الحديث . قلت : وأصرح منه الحديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10364719عليكم بالشفاءين العسل والقرآن " ، قال : والآية على الخصوص أي شفاء من بعض الداء أو لبعض الناس ، في التنكير دلالة عليه . قلت : الظاهر أن تنكير شفاء للتعظيم لا للتقليل ، والعموم يستفاد من جنس الناس .
( فسقاه ) : أي مرة أخرى ( فبرأ ) : بفتح الراء وبكسر ، قال ابن الملك ، فإن قيل : العسل مسهل مطلقا ، فكيف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به في دفع الإسهال ؟ قلنا : لعله علم أن ذلك كان من اجتماع الفضلات البلغمية التي دفعتها الطبيعة مرة بعد أخرى ، وكان منها بقية من المادة محتاجة إلى قلعها بملين ، فأمره بشرب العسل مرة بعد أخرى ، فلما شرب انقطعت بالكلية . قلت : قوله لعله . . إلخ . ينافيه ما جزم به أولا من أنه " ، إنما وقع أمره بالوحي ، ثم توضيح هذا الكلام ما قال الخطابي : هذا مما يحسب كثير من الناس أنه مخالف لمذهب الطب والعلاج ، وذلك أن الرجل إنما جاء يشكو إليه استطلاق البطن ، فكيف يصف له العسل وهو يطلق ، ومن عرف شيئا من أصول الطب ومعانيه علم صواب هذا التدبير ، وذلك أن استطلاق بطن هذا الرجل إنما كان هيضة حدثت من الامتلاء وسوء الهضم ، والأطباء كلهم يأمرون صاحب الهيضة بأن يترك الطبيعة وسوقها لا يمسكها ، وربما امتدت بقوة مسهلة حتى تستفرغ تلك الفضول ، فإذا فرغت تلك الأوعية من تلك الفضول ، فربما أمسكت من دائها ، وربما عولجت بالأشياء القابضة والمقوية إذا خافوا سقوط القوة ، فخرج الأمر في هذا على مذهب الطب مستقيما حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمد الطبيعة بالعسل ليزداد الشفاء ، حتى إذا انتزحت تلك الفضول وتنقت منها وقفت وأمسكت ، وقد يكون ذلك أيضا من ناحية التبرك تصديقا لقول الله عز وجل فيه شفاء للناس وما يصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدواء لشخص بعينه ، فقد يكون ذلك لدعائه وببركته وحسن أمره ، ولا يكون ذلك حكما في الأعيان كلها ، فعلى هذا المذهب يجب حمل ما لا يخرج على مذهب الطب القياسي ، وإليه يجب توجيهه كذا في أعلام السنن . ( متفق عليه ) .