صفحة جزء
4531 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العين حق ، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا " . رواه مسلم .


4531 - ( وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العين ) : أي : أثرها ( حق ) : وتحقيقه أن الشيء لا يعان إلا بعد كماله وكل كامل يعقبه النقص ولما كان ظهور القضاء بعد العين أضيف ذلك إليها ( فلو كان شيء سابق القدر ) : أي : غالبه في السبق ( سبقته العين ) : أي : لغلبته العين ، والمعنى : لو أمكن أن يسبق القدر شيء ، فيؤثر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له سبقت العين القدر ، وحاصله : أن لا هلاك ولا ضرر بغير القضاء والقدر ، ففيه مبالغة لكونها سببا في شدة ضررها ، ومذهب أهل السنة أن العين يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص بشخص آخر . قال النووي : فيه إثبات القدر ، وأن الأشياء كلها بقدر الله تعالى .

قال الطيبي : المعنى أن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عينا . والعين لا يسبق فكيف لغيرها ؟ وقال التوربشتي قوله : " العين حق " أي : الإصابة بالعين من جملة ما تحقق كونه ، وقوله : " ولو كان شيء سابق القدر " كالمؤكد للقول الأول ، وفيه تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذوات ، ( وإذا استغسلتم ) : بصيغة المجهول ( فاغسلوا ) : كانوا يرون أن يؤمر العائن فيغسل أطرافه وما تحت الإزار ، فتصب غسالته على المعيون يستشفون بذلك ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يمتنعوا عن الاغتسال إذا أريد منهم ذلك ، وأدى ما في ذلك دفع الوهم الحاصل من ذلك ، وليس لأحد أن ينكر الخواص المودعة في أمثال ذلك ، ويستبعدها من قدرة الله وحكمته ، لا سيما وقد شهد بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر بها ، وذلك مذكور في الحسان من هذا الباب من حديث أبي أمامة ذكره التوربشتي ، وسيأتي زيادة تحقيق لذلك في الحديث المذكور .

وفي شرح السنة ؟ روي أن عثمان - رضي الله عنه - رأى صبيا مليحا فقال : دسموا نونته كيلا تصيبه العين ، ومعنى دسموا : سودوا ، والنونة النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير ، وروي عن هشام بن عروة أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلى قوله : فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك الآية .

وفي شرح مسلم للنووي قال المازري : العين حق ، لظاهر هذا الحديث ، وأنكره طائفة من المبتدعة ، والدليل على فساد قولهم : أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل ، فإنه من مجوزات العقول ، فإذا أخبر الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه . قلت : ولا فرق بين تكذيبهم هذا وتكذيبهم بالخبرية من أمور الآخرة . قال النووي : وقد زعم الطبيعيون المتتبعون العين : أن العائن ينبعث عن عينه قوة سمية تتصل بالمعين فتهلك أو تفسد . قالوا : ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى ، والعقرب تتصل باللديغ فتهلك ، وإن كان غير محسوس لنا .

[ ص: 2871 ] قال المازري : هذا غير مسلم لأنا بينا في الكتب الكلامية أن لا فاعل إلا الله ، وبينا فساد القول بالطبائع ، وأقرب الطرق ما قاله بعض من ينتحل الإسلام منهم لا يبعد أن ينبعث من العائن جواهر لطيفة غير مرئية من العين ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه ، فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها ، كما يخلق الهلاك عند شرب السموم عادة أجراها الله سبحانه وتعالى ، والمازري أحد جماهير العلماء ، وقد أطنب في إثباته الإمام فخر الدين الرازي في سورة يوسف عليه السلام عند قوله تعالى : وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة فلينظر هناك من أراد زيادة الاطلاع عليه ( رواه مسلم ) وكذا أحمد ، وأما الجملة الأولى وهي " العين حق " فقد رواه أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة ، وابن ماجه أيضا عن عامر بن ربيعة . وفي رواية لأحمد ، والطبراني والحاكم عن ابن عباس : " العين حق تستنزل الحالق " أي : الجبل . وفي رواية ابن عدي وأبي نعيم في الحلية ، عن جابر ، وابن عدي ، عن أبي ذر أيضا : " العين تدخل الرجل القبر ، وتدخل الجمل القدر " . وفي رواية الكحجي في سننه عن أبي هريرة : " العين حق ويحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية