صفحة جزء
476 - وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه ، قال : ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع ، فمسح رأسي ، ودعا بالبركة ، ثم توضأ ، فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة . متفق عليه .


476 - ( وعن السائب بن يزيد ) : قيل : أزدي ، وقيل هذلي ، وقيل كندي ، ولد في السنة الثانية من الهجرة ، حضر مع أبيه حجة الوداع ، وهو ابن سبع سنين ، قاله الطيبي . ( قال : ذهبت بي خالتي ) : الباء للتعدية أي : أذهبتني ( إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع ) : بكسر الجيم أي : مريض ، وقيل بفتحها أي : ذو وجع ( فمسح رأسي ) : أي : رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الشمائل . قال ابن حجر : يحتمل أن الوجع كان برأسه ، فمسحه عليه الصلاة والسلام بيده المباركة ، ليكون ذلك سببا لشفائه ، فكان الأمر كذلك فبلغ السائب نحو المائة ولم يشب له شعر ولا سقط له سن . ( ودعا لي ) : وفي بعض نسخ الشمائل : بالفاء ( بالبركة ) : أي : النماء وزيادة الخير والنعماء ، ( ثم توضأ ، فشربت من وضوئه ) : بفتح الواو أي : ماء وضوئه . قال ملا حنفي في شرح الشمائل : يجوز أن يراد بالوضوء هنا فضل وضوئه ، يعني : الماء الذي بقي في الظرف بعد فراغه من الوضوء ، وأن يراد به ما انفصل من أعضاء وضوئه ، وهذا أنسب بما يقصده الشارب من التبرك ، وعلى هذا يكون دليلا على طهارة الماء المستعمل . وما المانع أن يحمله على التداوي أو على أنه من خواصه عليه الصلاة والسلام ، أو على أنه كان أولا ، والحكم بعدم طهارته كان بعده ؟ فتدبر . اهـ .

[ ص: 448 ] والفتوى على أن الماء المستعمل طاهر في مذهب أبي حنيفة . وقال ابن حجر : وقد يجاب بأن السائل من أعضائه - لشرفها - لا ينجس ، ومن ثم اختار كثيرون من أصحابنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم . ( ثم قمت خلف ظهره ) : أي : صلى الله عليه وسلم ( فنظرت إلى خاتم النبوة ) : بفتح التاء وكسرها ، وقيل : الخاتم بالفتح والكسر بمعنى الطابع الذي يختم به ، والظاهر أن المراد بالخاتم هنا هو الأثر الحاصل به لا الطابع ، وإضافته إلى النبوة إما لأنه ختم على النبوة لحفظها وحفظ ما فيها ؛ وللدلالة على تمامها ، أو استيثاقها ، وإما بمعنى أنه علامة لنبوته عليه الصلاة والسلام ( بين كتفيه ) : حال من الخاتم أو صفة له ، ويؤيده ما في بعض الروايات إلى الخاتم الذي بين كتفيه ، وهو بفتح الكاف وكسر التاء ، وقيل بكسر الأول وسكون الثاني . قال بعضهم : خاتم النبوة أثر كان بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة ، وكان علامة يعلم بها أنه النبي الموعود المبشر به في تلك الكتب ، وصيانة لنبوته عن تطرق التكذيب والقدح ، كالشيء المستوثق عليه بالختم ، وقيل : سمي بذلك إشارة إلى ختم الرسالة والنبوة به فلا نبي بعده ، وعيسى عليه الصلاة والسلام لا ينزل بنبوة متجددة ، بل ينزل عاملا بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم ويقتدي ببعض أمته ، وقتله لأهل الذمة ، وعدم قبول الجزية منهم وهو من جملة شريعتنا ; لأن أخذها مغيا بنزوله لزوال شبهتهم حينئذ المجوزة لقبولها منهم . قيل : لا تتم تلك التسمية إلا لو كان الخاتم من خصائصه صلى الله عليه وسلم وأما إذا ورد أن لكل نبي خاتما فلا يتم اهـ .

ويرد بأن من خصائصه : هذا الخاتم المخصوص في محله المخصوص الدال على تميزه عنهم ، فإن خواتيمهم كانت في أيمانهم كما رواه الحاكم ، عن وهب بن منبه ، وشتان ما بين بعدها من القلب وقرب خاتمه عليه الصلاة والسلام منه . وقوله : بين كتفيه أي : تقريبا ; حتى لا ينافي رواية مسلم أنه عند نغض كتفه الأيسر ، بنون مضمومة وتفتح فمعجمتين ، وهو أعلى الكتف ، أو العظم الرقيق الذي على طرفه ، أو ما يظهر منه عند التحرك أقوال . قال السهيلي : وكونه عند نغض كتفه الأيسر هو الصحيح ، وأشار بذلك إلى رد رواية : أنه كان عند كتفه الأيمن وحكمة الأولى أن ذلك المحل فوق القلب ، فبختمه لا يمكن تطرق شيء إلى القلب بوجه من الوجوه ( مثل ) : نصب بنزع الخافض أي : كمثل وقيل : بالرفع على أنه خبر محذوف هو هو ، ويؤيده ما في الشمائل : فإذا هو مثل ( زر الحجلة ) : قال ابن الملك : الزر بتقدم الزاي المكسورة على الراء المشددة واحد الأزرار التي تشد على ما يكون في حجلة العروس بالحاء والجيم ، وهي بفتحتين بيت كالقبة يستر بالثياب ، ويكون له أزرار كبار . قلت : وتسميه أهل مكة الآن الناموسية . قال ميرك : وهذا ما عليه الجمهور ، وقيل : بتقدم الراء المهملة على الزاي بمعنى البيض ، والحجلة : هي القبجة ، وهي طائر معروف ، كذا ذكره ابن الملك . وقال ميرك : وذكر الخطابي أنه روي بتقدم الراء على الزاي . وقال ملا حنفي : إن البخاري ذكر في الصحيح أن الصحيح الراء قبل الزاي . وقال التوربشتي : قيل المراد واحد الأزرار التي يشد بها في حجال العرائس من الحلل والستور . وهذا بعيد من طريق البلاغة ، قاصر في التشبيه والاستعارة ، ثم إنه لا يلائم الأحاديث المروية في خاتم النبوة . وقيل : المراد بيضة الحجلة ، وهي القبجة ، وهذا القول يوافق الأحاديث الواردة في هذا الباب غير أن الزر بمعنى البيض لم يوجد في كلام العرب ، وقيل : إنما هو رز بتقديم الراء على الزاي من : رززت الجرادة إذا أدخلت ذنبها في الأرض وألقت بيضها ، وهذا أشبه بما في الحديث إلا أن الرواية لم تساعده ، والذي ينصر القول الثاني ما رواه الترمذي في كتابه ، عن جابر بن سمرة : كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة . قيل : يكفي المشابهة في بعض الوجوه ، وهو أن يكون شيئا ناتئا من الجسد له نوع مشابهة بزر الحجلة ، كذا قاله الطيبي . ( متفق عليه ) .

قال ابن حجر : وفي روايات ما قد يخالف ما مر من كونه مثل زر الحجلة ، كرواية مسلم : جمعا عليه خيلان كأنها الثآليل السود ، وروايته أيضا كبيضة الحمامة ، ورواية صحيح الحاكم : شعر مجتمع ، والبيهقي : مثل السلعة ، والشمائل : بضعة ناشزة أي : مرتفعة ، وابن عساكر : مثل البندقة ، وصحيح الترمذي : كالتفاحة كأثر المحجم القابضة على اللحم ، وابن أبي خيثمة : شامة خضراء محتفرة في اللحم ، وله أيضا شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس ، والقضاعي : ثلاث شعرات مجتمعات ، والترمذي الحكيم : كبيضة [ ص: 449 ] حمام مكتوب في باطنها : الله وحده لا شريك له ، وفي ظاهرها : توجه حيث كنت فإنك منصور . وابن عائذ : كان نورا يتلألأ ، وابن أبي عاصم : كالنقطة التي أسفل منقار الحمامة ، وتاريخ نيسابور : مثل البندقة من لحم مكتوب فيه باللحم : محمد رسول الله . ليس هذا الاختلاف في مقداره حقيقيا ، بل كل شبه بما سنح له والكل مؤد ، والمراد واحد وهو قطعة لحم ، ومن قال : شعر ; فلأن الشعرات حوله متراكبة عليه شاخصة في جسده ، قريبة من بيضة الحمامة ، وفي رواية جمع الكف معناها أنه على هيئته ، لكنه أصغر منه ، ورواية : إنه كالمحجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليه ما مر ، لم يثبت منها شيء ، وغلط ابن حبان في تصحيحه ذلك ، وكذا من ذكر الكتابة هنا ، فإنه اشتبه عليه ذلك بخاتم يده الذي كان يختم به اهـ .

وفيه أن الحمل عليه بعيد جدا ، والأقرب أن يقال : الكتابة كانت معنوية أو صورية لكنها كانت تدركها البصيرة النووية . ثم قال : وقد وقع التصريح بوقت وضع الخاتم ، وكيف وضع ، ومن وضعه في حديث أبي ذر عند البزار وغيره ، قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف علمت أنك نبي ؟ وبم علمت حتى استيقنت ؟ قال : ( " أتاني آتيان " ) وفي رواية : ( " ملكان ، وأنا ببطحاء مكة ، فوقع أحدهما بالأرض ، وكان الآخر بين السماء والأرض ، فقال أحدهما لصاحبه : أهو هو ؟ قال : هو هو ، قال : فمر به رجل . الحديث ، وفيه : " ثم قال أحدهما لصاحبه : شق بطنه . فشق بطني ، فأخرج قلبي ، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما ، فقال أحدهما لصاحبه : اغسل بطنه غسل الإناء ، واغسل قلبه غسل الملاء - أي : الثوب الذي يتردى به - ثم قال أحدهما لصاحبه : خط بطنه . فخاط بطني ، وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن ، ووليا عني ، وكأني أرى الأمر معاينة " . وعند أحمد ، وصححه الحاكم : ( " استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين ، فقال أحدهما : ائتني بماء وثلج ، فغسلا به جوفي ، ثم قال ائتني : بماء وبرد ، فغسلا به قلبي ، ثم قال : ائتني بالسكينة ، فزادها في قلبي ، ثم قال أحدهما لصاحبه : خطه فخاطه ، وختم عليه بخاتم النبوة " ) . وبهذا يعلم أن القاضي عياضا لم يعلق في قوله : هذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين كتفيه عليه الصلاة والسلام ; لأن " بين " ظرف للخاتم لا للشق ، فالحاصل أن الخاتم بين الكتفين إجماعا ، وأن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان ، ووقع الخاتم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق . وروى أبو نعيم : أنه ختم به عند ولادته ، وقيل : ولد به ولا منع من التعدد وزيادة أثر ما في كل مرة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية