الفخر : ويحرك التمدح بالخصال كالافتخار ، وفاخره مفاخرة : عارضه بالفخر كذا في القاموس ، وفي النهاية : العصبي هو الذي يغضب لعصبته ويحامي عنهم ، والعصبة الأقارب من جهة الأب ; لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي : يحيطون به ويشتد بهم ، ومنه : ليس منا من دعا إلى عصبية ، أو قاتل عصبية . قلت : لأنها من حمية الجاهلية ، والقواعد الشرعية أنهم يكونون قوامين بالقسط شهداء لله ، ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين ، ولعل وجه الجمع بين المفاخرة والعصبية أن بينهما تلازما غالبيا ، ومنه قوله تعالى : ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ، أي : شغلكم التباهي والتفاخر بالكثرة ، حتى وصلتم إلى ذكر أهل المقابر . روي أن بني عبد مناف وبني أسهم تفاخروا بالكثرة ، فكثر سهم بني عبد مناف ، فقال بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالأحياء والأموات ، فكثر بنو سهم .
الفصل الأول
4893 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10365445سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس ) أي : من بين أنواعهم أو أوصافهم ( أكرم ؟ ) أي أشرف وأعظم . قال الطيبي : يحتمل أن يراد به أكرم عند الله تعالى مطلقا من غير نظر إلى النسب ، ولو كان عبدا حبشيا ، وأن يراد به الحسب مع النسب ، وأن يراد به الحسب فحسب ، وكان سؤالهم عن هذا لقوله - صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=10365446فعن معادن العرب " أي : عن أصولهم التي ينسبون إليها ، وكان جوابهم ، فسلك على ألطف وجه ; حيث جمع بين الحسب والنسب ، وقال : " إذا فقهوا " . قلت : لما أطلقوا السؤال ، وكان المناسب صرفه عليه الصلاة والسلام إلى الفرد الأكمل والوصف الأفضل ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10365447قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ) : وهو مقتبس من قوله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، بعد قوله تعالى : ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، وقد نبه سبحانه وتعالى أن معرفة الأنساب إنما هو للتعارف بالوصلة ، وأن الكرم لا يكون إلا بالتقوى ; لأن العاقبة للمتقين والعبرة بما في العقبى ، ثم يحتمل أنه علم غرضهم ولكن عدل عنه إلى أسلوب الحكيم . ( قالوا : ليس عن هذا نسألك ) : تنزيل للفعل منزلة المصدر . قال الطيبي : تقديره ليس سؤالنا عن هذا ، على منوال قوله :
فقالوا ما تشاء فقلت الهوى . اهـ .
فلما تبين له - صلى الله عليه وسلم - أنهم لم يسألوه عن الكرم المطلق ، وظن أن مرادهم الجمع بين النسب والحسب ( قال : فأكرم الناس ) أي : من حيثية جمعية النسب والحسب النبوية ( يوسف نبي الله ابن نبي الله ) أي : يعقوب ( ابن نبي الله ) أي : إسحاق ( ابن خليل الله ) : بإثبات ألف ابن في المواضع الثلاثة ، والمراد بالخليل : إبراهيم عليه السلام ، فقد اجتمع شرف النبوة والعلم وكرم الآباء والعدل والرياسة في الدنيا في يوسف ، وهو قد يهمز ويثلث سينه على ما في القاموس ، والضم هو المشهور . ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10365448قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب ) أي : قبائلهم ( تسألوني ؟ ) : بتشديد النون وتخفيفه ( nindex.php?page=hadith&LINKID=10365449قالوا : نعم قال : فخياركم في الجاهلية خياركم ) أي : هم خياركم ( في الإسلام ) أي : في زمنه ( إذا فقهوا ) : بضم القاف ويكسر ، أي : إذا علموا آداب الشريعة وأحكام الإسلام بعد دخولهم فيه ، ففي القاموس : الفقه بالكسر العلم بالشيء والفطنة له ، وغلب على علم الدين لشرفه ، وفقه ككرم
[ ص: 3069 ] وفرح فهو فقيه ، ولعله - صلى الله عليه وسلم - أراد كذا إخراج المنافقين والمؤلفة قلوبهم ، ويحتمل أن يراد به التنبيه على أن استواء النسب إنما يكون عند استواء الحسب بأن يكونوا مستوين في الفقه ، وأما من زاد في الفقه فهو أعلى ، ومن لم يفقه فهو في مرتبة الأدنى ، والمراد بالفقه : هو العلم المقرون بالعمل ، وهو حاصل التقوى ، فرجع الأمر إلى قوله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، لكن كما قال عز وجل : فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ، وقال - صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=2004417التقوى ههنا " وأشار إلى صدره الشريف موميا إلى انحصارها فيه بحسب كمالها ، وفي شرح السنة : يريد أن من كانت له مأثرة وشرف إذا أسلم وفقه ، فقد حاز إلى ذلك ما استفاده بحق الدين ، ومن لم يسلم فقد هدم شرفه وضيع نسبه ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : لما سئل - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم ؟ أجاب بأكملهم وأعمهم ، وقال : " أتقاهم لله " ; لأن أصل الكرم كثرة الخير ، ومن كان متقيا كان كثير الخير وكثير الفائدة في الدنيا ، وصاحب الدرجات العلى في الأخرى ، ولما قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قالوا : يوسف جمع النبوة والنسب ، وضم مع ذلك شرف علم الرؤيا والرياسة وتمكنه فيها ، وسياسة الرعية بالسيرة الحميدة والصورة الجميلة . ( متفق عليه ) .