صفحة جزء
478 - وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قيل : يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة ، وهي بئر يلقى فيها الحيض ، ولحوم الكلاب ، والنتن ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي .


478 - ( وعن أبي سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ ) : بضم الباء ، وأجيز كسرها ، وحكي أيضا بالصاد المهملة ، وهي بئر معروف بالمدينة قاله ابن الملك . وقال الطيبي نقلا عن التوربشتي : بضاعة دار بني ساعدة بالمدينة ، وهم بطن من الخزرج ، وأهل اللغة يضمون الباء ويكسرونها ، والمحفوظ في الحديث الضم ( وهي بئر ) : بالهمزة ويبدل ( يلقى ) : يجوز فيه التأنيث والتذكير ( فيها الحيض ) : بكسر الحاء وفتح الياء جمع حيضة بكسر الحاء وسكون الياء ، وهي الخرقة التي تستعملها المرأة في دم الحيض أو تستثفرها ( ولحوم الكلاب ) : قال الطيبي : ووجه معين يلقى فيها أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل فيها أهل البادية ، فتلقى تلك القاذورات بأفنية منازلهم فيكسحها السيل فيلقيها في البئر ، فعبر عنه القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم ، وهذا مما لا يجوزه مسلم ، فأنى يظن ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم ( والنتن ؟ ) : بفتح النون وسكون التاء وتكسر ، وهي الرائحة الكريهة ، والمراد بها هنا الشيء المنتن كالعذرة والجيفة . قيل : كانت السيول تكسح الأقذار من الطرق والأفنية ، فتحملها وتلقيها في هذه البئر ، وكان ماؤها كثيرا سيالا يجري بها ، فسألوا عن حكمها في الطهارة والنجاسة ، ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الماء " ) : قيل : الألف واللام للعهد الخارجي ، فتأويله : إن الماء الذي تسألون عنه ، وهو ماء بئر بضاعة . فالجواب مطابقي لا عموم كلي ، كما قاله الإمام مالك ( " طهور " ) : أي : طاهر كما تفيد صيغة المبالغة ; لكونه جاريا في البساتين ( لا ينجسه شيء ) : أي : ما يتغير بدليل الإجماع على نجاسة المتغير ، فما جاء في بعض الطرق أنه كان كنقاعة الحناء محمول على لون جوهر مائها ، والشافعية يقولون : لأنها كانت كثيرة الماء أضعاف القلتين فلا يخالف حديث ابن عمر . قال أبو داود : مددت فيه ردائي فإذا عرضه ستة أذرع . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ) . قال السيد : هذا حديث صحيح اهـ .

وفى المصابيح : وروي عنه عليه الصلاة والسلام أي : في جواب السؤال المذكور قال : " خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء ، إلا ما غير طعمه أو ريحه " . قال شارحه ابن الملك : قاس الشافعي اللون على الطعم والريح المنصوص عليهما في الحديث ، وأغرب ابن حجر في قوله : أخذ مالك بعموم هذا يلزم عليه إلغاء العمل بمفهوم حديث القلتين ، مع عدم المسوغ لذلك . قلت : المسوغ له أنه لم يقل بالمفهوم كما هو قول أئمتنا ، ثم قوله وقول أبي حنيفة : إن الماء يتنجس مطلقا إلا إذا عظم بحيث لا يتحرك طرفه بتحرك طرفه الآخر ، مخالف لهذا الحديث ولمنطوق حديث القلتين لا يضر إذ ما خالفهما ، إلا وقد ثبت عنده ما يوجب مخالفتها ، وقد تقدم علة القلة وعلة الامتناع عن الأخذ بعموم الحديث مشتركة بين أبي حنيفة والشافعي .

[ ص: 452 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية