اختلف العلماء في طهارة المني ونجاسته ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد بطهارته ، [ ص: 142 ] وقال مالك وأبو حنيفة بنجاسته ، والذين قالوا بنجاسته : اختلفوا في كيفية إزالته ، فقال مالك : يغسل رطبه ويابسه ، وقال أبو حنيفة : يغسل رطبه ، ويفرك يابسه ، أما مالك : فعمل بالقياس في الحكمين ، أعني نجاسته وإزالته بالماء ، أما نجاسته : فوجه القياس فيه من وجوه :
أحدها : أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه : نجسة والمني منها ، فليكن نجسا .
وثانيها : أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة ، والمني منها ، أي من الأحداث الموجبة للطهارة .
وهذا التقابل بين الفرك والغسل : يقتضي [ ص: 143 ] اختلافهما ، والذي قرب التأويل المذكور - عند من قال به - ما في بعض الروايات عن عائشة : أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب { nindex.php?page=hadith&LINKID=12514إنما كان يجزيك - إن رأيته - أن تغسل مكانه ، وإن لم تره نضحت حوله ، فلقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم } فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه ، وحكمت بالنضح لما لم يره ، وهذا حكم النجاسات ، فلو كان هذا الفرك المذكور من غير ماء : ناقض آخر الحديث أوله ، الذي يقتضي حصر الإجزاء في الغسل ، ويقتضي إجراء حكم سائر النجاسات عليه في النضح ، إلا أن دلالة قولها " لأحكه يابسا بظفري " أصرح وأنص على عدم الماء مما ذكر من القرائن ، من كونه مفروكا بالماء ، والحديث واحد ، اختلفت طرقه ، وأعني بالقرائن : النضح لما لم يره ، وقولها : " إنما كان يجزيك " ، ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك ، قال : هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب ، وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلي فيه ، فيحمل على ثوب النوم ، ويحمل الحديث الآخر الذي ذكره المصنف - وهو قولها " فيخرج إلى الصلاة ، وإن بقع الماء في ثوبه " - على ثوب الصلاة ، ولا يقال : إذا حملتم الفرك على غير ثوب الصلاة ، فأي فائدة في ذكر ذلك ؟ ; لأنا نقول : فائدته بيان جواز لبس الثوب النجس في غير حالة الصلاة .
وهذه الطريقة قد تتمشى لو لم تأت روايات صحيحة بقولها " ثم يصلي فيه " وفي بعضها " فيصلي فيه " وأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب : أنه يعقب الصلاة بالفرك ، ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة ، إلا أنه قد ورد بالواو ، وبثم أيضا في هذا الحديث ، فإن كان الحديث واحدا فالألفاظ مختلفة ، والمقول منها واحد ، فتقف الدلالة بالفاء إلا لمرجح لها ، وإن كانت الرواية بالفاء حديثا مفردا ، فيتجه ما قاله ، واعلم أن احتمال غسله بعد الفرك واقع ، لكن الأصل عدمه ، فيتعارض [ ص: 144 ] النظر بين اتباع هذا الأصل وبين اتباع القياس ، ومخالفة هذا الأصل ، فما ترجح منهما عمل به ، لا سيما إن انضمت قرائن في لفظ الحديث تنفي هذا الاحتمال ، فإذ ذاك يتقوى العمل به ، وينظر إلى الراجح بعد تلك القرائن ، أو من القياس ، وقد استعمل في هذا الحديث لفظ " الجنابة " بإزاء " المني " وقد ذكرنا أنه يستعمل بإزاء المنع ، والحكم الشرعي المرتب على خروج الخارج ، والله أعلم .