" عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أبو العباس ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 177 ] أحد أكابر الصحابة وعلمائهم . كان يقال له " البحر " لسعة علمه . مات بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير . وولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، في قول nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي .
وفي الحديث مباحث :
الأول : يقال " عتم الليل " يعتم - بكسر التاء - إذا أظلم ، والعتمة : الظلمة وقيل : إنها اسم لثلث الليل الأول بعد غروب الشفق . نقل ذلك عن الخليل . وقوله " أعتم " أي دخل في العتمة ، كما يقال : أصبح ، وأمسى ، وأظهر . قال الله تعالى : { حين تمسون وحين تصبحون } - إلى قوله - { وحين تظهرون } .
والثاني : ما في قوله " تغلبنكم " فإن فيه تنفيرا عن هذه التمسية . فإن النفوس تأنف من الغلبة .
والثالث : إضافة الصلاة إليهم ، في قوله " على اسم صلاتكم " فإن فيه زيادة .
ألا ترى أنا لو قلنا : لا تغلبن على مالك : كان أشد تنفيرا من قولنا : لا تغلبن على مال ، أو على المال ؟ لدلالة الإضافة على الاختصاص به . ولعل الأقرب : أن تجوز هذه التسمية ، ويكون الأولى تركها . وقد قدمنا الفرق بين كون الأولى ترك الشيء ، وبين كونه مكروها . أما الجواز : فلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم . وأما عدم الأولوية : فللحديث المذكور . ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - وهو قوله " لا أحب " - أقرب إلى ما ذكرناه من قول من قال من أصحابه " ويكره أن يقال لها العتمة " . أو يقول : المنهي عنه إنما هو الغلبة على الاسم . وذلك بأن يستعمل دائما ، [ ص: 178 ] أو أكثريا . ولا يناقضه أن يستعمل قليلا . فيكون الحديث من باب استعماله قليلا . أعني قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=42715ولو يعلمون ما في العتمة والصبح } ويكون حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر محمولا على أن تسمى بذلك الاسم غالبا أو دائما . .
الرابع : قد حكينا أن " العتمة " اسم لثلث الليل بعد غيبوبة الشفق فلا ينبغي أن يحمل قوله " أعتم " على أول أجزاء هذا الوقت ، فإن أول أجزائه : بعد غيبوبة الشفق ولا يجوز تقديم الصلاة على ذلك الوقت . وإنما ينبغي أن يحمل على آخره ، أو ما يقارب ذلك . فيكون ذلك مخالفا للعادة ، وسببا لقول عمر رضي الله عنه " رقد النساء والصبيان " .
الخامس : قد كنا قدمنا في قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=33723لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة } أنه استدل بذلك على أن الأمر للوجوب . فلك أن تنظر : هل يتساوى هذا اللفظ مع ذلك في الدلالة ، أم لا ؟ فأقول : لقائل أن يقول : لا يتساوى مطلقا . فإن وجه الدليل ثم : أن كلمة " لولا " تدل على انتماء الشيء لوجود غيره . فيقتضي ذلك انتفاء الأمر لوجود المشقة . والأمر المنتفى ليس أمر الاستحباب ، لثبوت الاستحباب فيكون المنتفي ، هو أمر الوجوب . فثبت أن الأمر المطلق للوجوب . فإذا استعملنا هذا الدليل في هذا المكان ، وقلنا : إن الأمر المنتفى ليس أمر الاستحباب - لثبوت الاستحباب - توجه المنع هاهنا ، عند من يرى أن تقديم العشاء أفضل بالدلائل الدالة على ذلك اللهم إلا أن يضم إلى الاستدلال : الدلائل الخارجة ، الدالة [ ص: 179 ] على استحباب التأخير فيترجح على الدلائل المقتضية للتقديم . ويجعل ذلك مقدمة . ويكون المجموع دليلا على أن الأمر للوجوب . فحينئذ يتم ذلك بهذه الضميمة .
السادس : في الحديث دليل على تنبيه الأكابر : إما لاحتمال غفلة ، أو لاستثارة فائدة منهم في التنبيه . لقول عمر " رقد النساء والصبيان " .
السابع : يحتمل أن يكون قوله " رقد النساء والصبيان " راجعا إلى من حضر المسجد منهم ، لقلة احتمالهم المشقة في السهر . فيرجع ذلك إلى أنهم كانوا يحضرون المسجد لصلاة الجماعة . ويحتمل أن يكون راجعا إلى من خلفه المصلون في البيوت من النساء والصبيان . ويكون قوله " رقد النساء " إشفاقا عليهن من طول الانتظار .