[ ص: 180 ] والظاهرية أخذوا بظاهر الحديث في تقديم الطعام على الصلاة . وزادوا - فيما نقل عنهم - فقالوا : إن صلى فصلاته باطلة . وأما أهل القياس والنظر : فإنهم نظروا إلى المعنى ، وفهموا : أن العلة التشويش ، لأجل التشوف إلى الطعام . وقد أوضحته تلك الرواية التي ذكرناها . وهي قوله " وأحدكم صائم " فتتبعوا هذا المعنى . فحيث حصل التشوف المؤدي إلى عدم الحضور في الصلاة قدموا الطعام . واقتصروا أيضا على مقدار ما يكسر سورة الجوع . ونقل عن مالك : يبدأ بالصلاة ، إلا أن يكون طعاما خفيفا . واستدل بالحديث على أن وقت المغرب موسع . فإن أريد به مطلق التوسعة فصحيح ، لكن ليس بمحل الخلاف المشهور . وإن أريد التوسعة إلى مغيب الشفق . ففي الاستدلال نظر ; لأن بعض من ضيق وقت المغرب جعله مقدرا بزمان يدخل في مقدار ما يتناول لقيمات يكسر بها سورة الجوع . فعلى هذا : لا يلزم أن لا يكون وقت المغرب موسعا إلى غروب الشفق . على أن الصحيح الذي نذهب إليه : أن وقتها موسع إلى غروب الشفق . وإنما الكلام في وجه هذا الاستدلال من هذا الحديث .
وقد استدل به أيضا على أن صلاة الجماعة ليست فرضا على الأعيان في كل حال . وهذا صحيح ، إن أريد به : أن حضور الطعام - مع التشوف إليه - عذر ترك الجماعة . وإن أريد به الاستدلال على أنها ليست بفرض من غير عذر . لم يصح ذلك . وفي الحديث : دليل على فضيلة تقديم حضور القلب في الصلاة على فضيلة أول الوقت . فإنهما لما تزاحما قدم صاحب الشرع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أول الوقت . والمتشوقون إلى المعنى أيضا قد لا يقصرون الحكم على حضور الطعام . بل يقولون به عند وجود المعنى . وهو التشوف إلى الطعام . والتحقيق في هذا : أن الطعام إذا لم يحضر ، فإما أن يكون متيسر الحضور عن قريب ، حتى يكون كالحاضر أو لا ؟ فإن كان الأول : فلا يبعد أن يكون حكمه حكم الحاضر . وإن كان الثاني ، وهو ما يتراخى حضوره : فلا ينبغي أن يلحق [ ص: 181 ] بالحاضر . فإن حضور الطعام يوجب زيادة تشوف وتطلع إليه . وهذه الزيادة يمكن أن يكون الشارع اعتبرها في تقديم الطعام على الصلاة . فلا ينبغي أن يلحق بها ما لا يساويها ، للقاعدة الأصولية " إن محل النص إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يلغ " .