وحمل مالك هذا الأمر على التعبد ، لاعتقاده طهارة الماء والإناء .
وربما رجحه أصحابه [ ص: 77 ] بذكر هذا العدد المخصوص ، وهو السبع ; لأنه لو كان للنجاسة : لاكتفى بما دون السبع فإنه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة .
وقد اكتفى فيها بما دون السبع .
والحمل على التنجيس أولى .
; لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا ، أو معقول المعنى ، كان حمله على كونه معقول المعنى أولى .
لندرة التعبد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى .
وأما كونه لا يكون أغلظ من نجاسة العذرة ، فممنوع عند القائل بنجاسته ، نعم ليس بأقذر من العذرة ، ولكن لا يتوقف التغليظ على زيادة الاستقذار .
وأيضا فإذا كان أصل المعنى معقولا قلنا به .
وإذا وقع في التفاصيل ما لم يعقل معناه في التفصيل ، لم ينقص لأجله التأصيل .
ولذلك نظائر في الشريعة ، فلو لم تظهر زيادة التغليظ في النجاسة لكنا نقتصر في التعبد على العدد ، ونمشي في أصل المعنى على معقولية المعنى .
المسألة الثانية : إذا ظهر أن الأمر بالغسل للنجاسة : فقد استدل بذلك على نجاسة عين الكلب .
ولهم في ذلك طريقان .
أحدهما : أنه إذا ثبتت نجاسة فمه من نجاسة لعابه ، فإنه جزء من فمه ، وفمه أشرف ما فيه .
فبقية بدنه أولى .
الثاني : إذا كان لعابه نجسا - وهو عرق فمه - ففمه نجس .
والعرق جزء متحلب من البدن . فجميع عرقه نجس .
فجميع بدنه نجس ، لما ذكرناه من أن العرق جزء من البدن . [ ص: 78 ]
فتبين بهذا : أن الحديث إنما دل على النجاسة فيما يتعلق بالفم ، وأن نجاسة بقية البدن بطريق الاستنباط .
وفيه بحث .
وهو أن يقال : إن الحديث إنما دل على نجاسة الإناء الولوغ .
وذلك قدر مشترك بين نجاسة عين اللعاب وعين الفم ، أو تنجسهما باستعمال النجاسة غالبا .
والدال على المشترك لا يدل على أحد الخاصين .
فلا يدل الحديث على نجاسة عين الفم ، أو عين اللعاب .
فلا تستقيم الدلالة على نجاسة عين الكلب كله .
وقد يعترض على هذا بأن يقال : لو كانت العلة تنجيس الفم أو اللعاب - كما أشرتم إليه - لزم أحد أمرين .
وهو إما وقوع التخصيص في العموم ، أو ثبوت الحكم بدون علته لأنا إذا فرضنا تطهير فم الكلب بماء كثير ، أو بأي وجه كان ، فولغ في الإناء : فإما أن يثبت وجوب غسله أو لا .
فإن لم يثبت وجب تخصيص العموم .
وإن ثبت لزم ثبوت الحكم بدون علته .
وكلاهما على خلاف الأصل .
والذي يمكن أن يجاب به عن هذا السؤال ، أن يقال : الحكم منوط بالغالب وما ذكرتموه من الصور نادر ، لا يلتفت إليه .
وهذا البحث إذا انتهى إلى هنا يقوي قول من يرى أن الغسل لأجل قذارة الكلب .
المسألة الرابعة : في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين زيادة " التراب " وقال بها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحاب الحديث .
المسألة الخامسة : اختلفت الروايات في غسلة التتريب ، ففي بعضها " أولاهن " وفي بعضها " أخراهن " وفي بعضها " إحداهن " والمقصود عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه : حصول التتريب في مرة من المرات ، وقد يرجح كونه في الأولى : بأنه إذا ترب أولا ، فعلى تقدير أن يلحق بعض المواضع الطاهرة رشاش [ ص: 79 ] بعض الغسلات لا يحتاج إلى تتريبه ، وإذا أخرت غسلة التتريب ، فلحق رشاش ما قبلها بعض المواضع الطاهرة : احتيج إلى تتريبه ، فكانت الأولى أرفق بالمكلف .
فكانت أولى .
المسألة السادسة : الرواية التي فيها { nindex.php?page=hadith&LINKID=40804وعفروه الثامنة بالتراب } تقتضي زيادة مرة ثامنة ظاهرا ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وقيل : لم يقل به غيره ، ولعله المراد بذلك من المتقدمين .
والحديث قوي فيه ، ومن لم يقل به : احتاج إلى تأويله بوجه فيه استكراه .
المسألة السابعة : قوله صلى الله عليه وسلم { فاغسلوه سبعا ، أولاهن ، أو أخراهن بالتراب } قد يدل لما قاله بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إنه لا يكتفي بذر التراب على المحل ، بل لا بد أن يجعله في الماء ، ويوصله إلى المحل .
ووجه الاستدلال : أنه جعل مرة التتريب داخلة في قسم مسمى الغسلات ، وذر التراب على المحل لا يسمى غسلا ، وهذا ممكن .
وفيه احتمال ; لأنه إذا ذر التراب على المحل ، وأتبعه بالماء يصح أن يقال : غسل بالتراب ، ولا بد من مثل هذا في أمره صلى الله عليه وسلم في غسل الميت بماء وسدر ، عند من يرى أن الماء المتغير بالطاهر غير طهور ، إن جرى على ظاهر الحديث في الاكتفاء بغسلة واحدة ; لأنها تحصل مسمى الغسل [ وهذا جيد ] .
إلا أن قوله " وعفروه " قد يشعر بالاكتفاء بالتتريب بطريق ذر التراب على [ ص: 80 ] المحل ، فإن كان خلطه بالماء لا ينافي كونه تعفيرا لغة ، فقد ثبت ما قالوه ، ولكن لفظة " التعفير " حينئذ تنطلق على ذر التراب على المحل ، وعلى إيصاله بالماء إليه ، والحديث الذي دل على اعتبار مسمى الغسلة ، إذ دل على خلطه بالماء وإيصاله إلى المحل به .
فذلك أمر زائد على مطلق التعفير ، على التقدير الذي ذكرناه من شمول اسم " التعفير " للصورتين معا ، أعني ذر التراب وإيصاله بالماء .
المسألة الثامنة : الحديث عام في جميع الكلاب .
وفي مذهب مالك : قول بتخصيصه بالمنهي عن اتخاذه .
والأقرب : العموم .
; لأن الألف واللام إذا لم يقم دليل على صرفها إلى المعهود المعين ، فالظاهر كونها للعموم ، ومن يرى الخصوص قد يأخذه من قرينة تصرف العموم عن ظاهره فإنهم نهوا عن اتخاذ الكلاب إلا لوجوه مخصوصة .
والأمر بالغسل مع المخالطة عقوبة يناسبها الاختصاص بمن ارتكب النهي في اتخاذ ما منع من اتخاذه .
وأما من اتخذ ما أبيح له اتخاذه ، فإيجاب الغسل عليه مع المخالطة عسر وحرج ، ولا يناسبه الإذن والإباحة في الاتخاذ .
وهذا يتوقف على أن تكون هذه القرينة موجودة عند النهي .
وفي مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قول - أو وجه - إن الصابون والأشنان والغسلة الثامنة ، تقوم مقام التراب ، بناء على أن المقصود بالتراب : زيادة التنظيف ، وأن الصابون والأشنان يقومان مقامه في ذلك .
وهذا عندنا ضعيف .
; لأن النص إذا ورد بشيء معين ، واحتمل معنى يختص بذلك الشيء لم يجز إلغاء النص ، واطراح خصوص المعين فيه .
والأمر بالتراب - وإن كان محتملا لما ذكروه ، وهو زيادة التنظيف - فلا نجزم بتعيين ذلك المعنى .
فإنه يزاحمه معنى آخر ، وهو الجمع بين مطهرين ، أعني الماء والتراب ، وهذا المعنى مفقود في الصابون والأشنان .
وأيضا ، فإن هذه المعاني المستنبطة إذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة ، فليست بذلك الأمر القوي .
فإذا وقعت فيها الاحتمالات ، فالصواب اتباع النص .
وأيضا ، فإن المعنى المستنبط إذا عاد على النص بإبطال أو تخصيص : مردود عند جمع من الأصوليين .