قوله " عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله " هو المشهور . وقيل : وهب بن جابر وقيل : وهب بن وهب ، والسوائي في نسبه - مضموم السين ممدود - نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة . مات في إمارة nindex.php?page=showalam&ids=15539بشر بن مروان بالكوفة وقيل : سنة أربع وسبعين . والكلام عليه من وجوه :
أحدها : قوله " فخرج بلال بوضوء " بفتح الواو بمعنى الماء ، وهل هو اسم لمطلق الماء ، أو بقيد الإضافة إلى الوضوء ؟ فيه نظر ، قد مر .
وقوله " فمن ناضح ونائل " النضح : الرش . قيل : معناه أن بعضهم كان ينال منه ما لا يفضل منه شيء . وبعضهم كان ينال منه ما ينضحه على غيره . وتشهد له الرواية الأخرى في الحديث الصحيح " فرأيت بلالا أخرج وضوءا . فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء . فمن أصاب منه شيئا تمسح به . ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه " .
الثاني : يؤخذ من الحديث التماس البركة بما لابسه الصالحون بملابسته . فإنه ورد في الوضوء الذي توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم . ويعد بالمعنى إلى سائر ما يلابسه الصالحون .
الثالث : قوله " فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا ، يريد يمينا وشمالا " فيه دليل على استدارة المؤذن للاستماع عند الدعاء إلى الصلاة . وهو وقت التلفظ بالحيعلتين . وقوله " يقول حي على الصلاة حي على الفلاح " يبين وقت [ ص: 208 ] الاستدارة . وأنه وقت الحيعلتين .
واختلفوا في موضعين :
أحدهما : أنه هل تكون قدماه قارتين مستقبلتي القبلة ، ولا يلتفت إلا بوجهه دون بدنه ، أو يستدير كله ؟ الثاني : هل يستدير مرتين . إحداهما : قوله " حي على الصلاة حي على الصلاة " والأخرى عند قوله " حي على الفلاح حي على الفلاح " أو يلتفت يمينا ويقول " حي على الصلاة " مرة ، ثم يلتفت شمالا فيقول " حي على الصلاة " أخرى . ثم يتلفت يمينا ويقول " حي على الفلاح " مرة ، ثم يلتفت شمالا فيقول " حي على الفلاح " أخرى ؟ وهذان الوجهان منقولان عن أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقد رجح هذا الثاني بأنه يكون لكل جهة نصيب من كلمة وقيل : إنه اختيار القفال . والأقرب عندي إلى لفظ الحديث : هو الأول .
الرابع : قوله " ثم ركزت له عنزة " أي أثبتت في الأرض . يقال : ركزت الشيء أركزه - بضم الكاف في المستقبل - ركزا : إذا أثبته و " العنزة " قيل : هي عصا في طرفها زج . وقيل : الحربة الصغيرة .
الخامس : فيه دليل على استحباب وضع السترة للمصلي ، حيث يخشى المرور كالصحراء . ودليل على الاكتفاء في السترة بمثل غلظ العنزة . ودليل على أن المرور من وراء السترة غير ضار .
السادس : قوله " ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة " هو إخبار عن قصره صلى الله عليه وسلم الصلاة ، ومواظبته على ذلك . وهو دليل على رجحان القصر على الإتمام . وليس دليلا على وجوبه إلا على مذهب من يرى أن أفعاله صلى الله عليه وسلم تدل على الوجوب . وليس بمختار في علم الأصول .
السابع : لم يبين في هذه الرواية موضع اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقد بين ذلك في رواية أخرى قالها فيها " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة . وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم " وهذه الرواية المبينة مفيدة لفائدة زائدة . فإنه في الرواية الأولى المبهمة يجوز أن يكون اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة قبل وصوله إليها . وعلى هذا يشكل قوله " فلم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة " على مذهب الفقهاء ، من حيث إن السفر تكون له نهاية يوصل إليها قبل الرجوع . وذلك مانع [ ص: 209 ] من القصر عند بعضهم . أما إذا تبين أنه كان الاجتماع بالأبطح . فيجوز أن تكون صلاة الظهر التي أدركها ابتداء الرجوع . ويكون قوله " حتى رجع إلى المدينة " انتهاء الرجوع .