الحديث دليل على منع تقدم المأموم على الإمام في الرفع . هذا منصوصه ، في الرفع من الركوع والسجود . ووجه الدليل : التوعد على الفعل . ولا يكون التوعد إلا عن ممنوع ويقاس عليه : السبق في الخفض ، كالهوي إلى الركوع والسجود .
وفي وقوله صلى الله عليه وسلم " أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام " ما يدل على أن فاعل ذلك : متعرض لهذا الوعيد . وليس فيه دليل على وقوعه ولا بد .
وقوله " أن يحول الله رأسه رأس حمار ، أو يجعل صورته صورة حمار " يقتضي تغيير الصورة الظاهرة . ويحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي مجازي . فإن الحمار موصوف بالبلادة . ويستعار هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فروض الصلاة ومتابعة الإمام . وربما رجح هذا المجاز بأن التحويل في الظاهرة لم يقع مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام . ونحن قد بينا أن الحديث لا يدل على وقوع ذلك . وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك ، وكون فعله صالحا لأن يقع [ ص: 225 ] عنه ذلك الوعيد . ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء .
وأيضا فالمتوعد به لا يكون موجودا في الوقت الحاضر . أعني عند الفعل ، والجهل موجود عند الفعل . ولست أعني بالجهل هاهنا : عدم العلم بالحكم ، بل إما هذا ، وإما أن يكون عبارة عن فعل ما لا يسوغ . وإن كان العلم بالحكم موجودا ; لأنه قد يقال في هذا : إنه جهل . ويقال لفاعله جاهل . والسبب فيه : أن الشيء ينفى لانتفاء ثمرته والمقصود منه . فيقال : فلان ليس بإنسان ، إذا لم يفعل الأفعال المناسبة للإنسانية . ولما كان المقصود من العلم العمل به جاز أن يقال لمن لا يعمل بعلمه : إنه جاهل غير عالم .