[ ص: 226 ] الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من وجوه :
الأول : اختلفوا في جواز صلاة المفترض خلف المتنفل . فمنعها مالك وأبو حنيفة وغيرهما . واستدل لهم بهذا الحديث . وجعل اختلاف النيات داخلا تحت قوله " فلا تختلفوا عليه " وأجاز ذلكnindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره . والحديث محمول في هذا المذهب على الاختلاف في الأفعال الظاهرة .
الثاني : الفاء في قوله " فإذا ركع فاركعوا " إلخ تدل على أن أفعال المأموم تكون بعد أفعال الإمام ; لأن الفاء تقتضي التعقيب . وقد مضى الكلام في المنع من السبق . وقال الفقهاء : المساواة في هذه الأشياء : مكروهة .
الثالث قوله " وإذا قال سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد " يستدل به من يقول إن التسميع مختص بالإمام . فإن قوله " ربنا ولك الحمد " مختص بالمأموم . وهو اختيار مالك رحمه الله .
الرابع : اختلفوا في إثبات الواو وإسقاطها من قوله " ولك الحمد " بحسب اختلاف الروايات وهذا اختلاف في الاختيار ، لا في الجواز . ويرجع إثباتها بأنه يدل على زيادة معنى ; لأنه يكون التقدير : ربنا استجب لنا - أو ما قارب ذلك - ولك الحمد . فيكون الكلام مشتملا على معنى الدعاء ، ومعنى الخبر . وإذا قيل بإسقاط الواو دل على أحد هذين .
والمانعون اختلفوا في الجواب عن هذا الحديث على طرق .
الطريق الأول : ادعاء كونه منسوخا ، وناسخه : صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالناس في مرض موته قاعدا . وهم قيام ، وأبو بكر قائم يعلمهم بأفعال صلاته . وهذا بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام ، وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة وقد وقع في ذلك خلاف . وموضع الترجيح : هو الكلام على ذلك الحديث . قال القاضي عياض ، قالوا : ثم نسخت إمامة القاعد جملة بقوله " لا يؤمن أحد بعدي جالسا " وبفعل [ ص: 227 ] الخلفاء بعده ، وأنه لم يؤم أحد منهم جالسا ، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم . فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده ، وتقوي لين هذا الحديث .
وأقول : هذا ضعيف . أما الحديث في { nindex.php?page=hadith&LINKID=31170لا يؤمن أحد بعدي جالسا } فحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن جابر بن زيد الجعفي - بضم الجيم وسكون العين - عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي - بفتح الشين - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=31170لا يؤمن أحد بعدي جالسا } وهذا مرسل . nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد قالوا فيه : متروك . ورواه مجالد عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وقد استضعف مجالد .
وأما الاستدلال بترك الخلفاء الإمامة عن قعود : فأضعف . فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه . فلعلهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين ، وإن كان الاتفاق قد حصل على أن صلاة القاعد بالقائم مرجوحة ، وأن الأولى تركها . فذلك كاف في بيان سبب تركهم الإمامة من قعود . وقولهم " إنه يشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده " ليس كذلك ، لما بيناه من أن الترك للفعل لا يدل على تحريمه .
الطريق الثاني : في الجواب عن هذا الحديث : للمانعين ادعاء أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم . وقد عرف أن الأصل عدمه حتى يدل عليه دليل .
الطريق الثالث : التأويل بأن يحمل قوله " وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " على أنه : إذا كان في حالة الجلوس فاجلسوا ، ولا تخالفوه بالقيام . وكذلك إذا صلى قائما فصلوا قياما . أي إذا كان في حال القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود . وكذلك في قوله " إذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا " وهذا بعيد . وقد ورد في الأحاديث وطرقها : ما ينفيه ، مثل ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها الآتي " أنه أشار إليهم : أن اجلسوا " ومنه تعليل ذلك بموافقة الأعاجم في القيام على ملوكهم . وسياق الحديث في الجملة يمنع من سبق الفهم إلى هذا التأويل .
والكلام على حديث عائشة مثل الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وما فيه من الزيادة قد حصل التنبيه عليه .