[ ص: 232 ] تقدم القول في أن " كان " تشعر بكثرة الفعل أو المداومة عليه . وقد تستعمل في مجرد وقوعه .
وهذا الحديث يدل لمن قال باستحباب الذكر بين التكبير والقراءة . فإنه دل على استحباب هذا الذكر . والدال على المقيد دال على المطلق ، فينافي ذلك كراهية المالكية الذكر فيما بين التكبير والقراءة . ولا يقتضي استحباب ذكر آخر معين .
وفيه دليل لمن قال باستحباب هذه السكتة بين التكبير والقراءة . والمراد بالسكتة هاهنا السكوت عن الجهر ، لا عن مطلق القول ، أو عن قراءة القرآن ، لا عن الذكر .
وقوله " ما تقول ؟ " يشعر بأنه فهم أن هناك قولا فإن السؤال وقع بقوله " ما تقول ؟ " ولم يقع بقوله " هل تقول ؟ " والسؤال " بهل " مقدم على السؤال " بما " هاهنا . ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم . كما ورد في استدلالهم على القراءة في السر باضطراب لحيته .
وقوله " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب " . عبارة : إما عن محوها وترك المؤاخذة بها ، وإما عن المنع من وقوعها والعصمة منها وفيه مجازان :
أحدهما : استعمال المباعدة في ترك المؤاخذة ، أو في العصمة منها . والمباعدة في الزمان أو في المكان في الأصل .
والثاني : استعمال المباعدة في الإزالة الكلية . فإن أصلها لا يقتضي الزوال . وليس المراد ههنا البقاء مع البعد ، ولا ما يطابقه من المجاز . وإنما المراد الإزالة بالكلية . وكذلك التشبيه بالمباعدة بين المشرق والمغرب ، المقصود منها : ترك المؤاخذة أو العصمة .
وقوله " اللهم نقني من خطاياي - إلى قوله - من الدنس " مجاز - كما تقدم - عن زوال الذنوب وأثرها . ولما كان ذلك أظهر في الثوب الأبيض من غيره من الألوان وقع التشبيه به . [ ص: 233 ] وقوله " اللهم اغسلني " إلى آخره يحتمل أمرين - بعد كونه مجازا عما ذكرناه - أحدهما : أن يراد بذلك التعبير عن غاية المحو ، أعني بالمجموع فإن الثوب الذي تتكرر عليه التنقية بثلاثة أشياء منقية ، يكون في غاية النقاء .
الوجه الثاني : أن يكون كل واحد من هذه الأشياء مجازا عن صفة يقع بها التكفير والمحو . ولعل ذلك كقوله تعالى { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا } فكل واحدة من هذه الصفات أعني : العفو والمغفرة ، والرحمة - لها أثر في محو الذنب . فعلى هذا الوجه : ينظر إلى الأفراد . ويجعل كل فرد من أفراد الحقيقة دالا على معنى فرد مجازي . وفي الوجه الأول : لا ينظر إلى أفراد الألفاظ ، بل تجعل جملة اللفظ دالة على غاية المحو للذنب .