84 - الحديث الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت { nindex.php?page=hadith&LINKID=43852كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة ب { الحمد لله رب العالمين } وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك ، وكان إذا رفع رأسه من الركوع : لم يسجد ، حتى يستوي قائما ، وكان إذا رفع رأسه من السجدة : لم يسجد ، حتى يستوي قاعدا ، وكان يقول في كل ركعتين التحية ، وكان يفرش رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى ، وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع ، وكان يختم الصلاة بالتسليم } .
. هذا الحديث سها المصنف في إيراده في هذا الكتاب . فإنه مما انفرد به مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . فرواه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15716الحسين المعلم عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة رضي الله عنها . وشرط الكتاب : تخريج الشيخين للحديث .
قولها " كان يستفتح الصلاة بالتكبير " قد تقدم الكلام على لفظة " كان " فإنها قد تستعمل في مجرد وقوع الفعل . وهذا الحديث - مع حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - [ ص: 234 ] قد يدل على ذلك . فإنها قد استعملت في أحدهما على غير ما استعملت في الآخر . فإن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : إن اقتضى المداومة أو الأكثرية على السكوت وذلك الذكر ، وهذا الحديث يقتضي المداومة - أو الأكثرية - لافتتاح الصلاة بعد التكبير ب { الحمد لله رب العالمين } ، تعارضا .
وهذا البحث مبني على أن يكون لفظ " القراءة " مجرورا . فإن كانت لفظة " كان " لا تدل إلا على الكثرة . فلا تعارض . إذ قد يكثران جميعا . وهذه الأفعال التي تذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قد استدل الفقهاء بكثير منها على الوجوب . لا لأن الفعل يدل على الوجوب ، بل ; لأنهم يرون أن قوله تعالى { أقيموا الصلاة } خطاب مجمل ، مبين بالفعل ، والفعل المبين للمجمل المأمور به : يدخل تحت الأمر . فيدل مجموع ذلك على الوجوب . وإذا سلكت هذه الطريقة وجدت أفعالا غير واجبة ، فلا بد أن يحال ذلك على دليل آخر دل على عدم الوجوب .
وفي هذا الاستدلال بحث . وهو أن يقال : الخطاب المجمل يتبين بأول الأفعال وقوعا . فإذا تبين بذلك الفعل لم يكن ما وقع بعده بيانا ، لوقوع البيان بالأول . فيبقى فعلا مجردا ، لا يدل على الوجوب . اللهم إلا أن يدل دليل على وقوع ذلك الفعل المستدل به بيانا . فيتوقف الاستدلال بهذه الطريقة على وجود ذلك الدليل ، بل قد يقوم الدليل على خلافه ، كرواية من رأى فعلا للنبي صلى الله عليه وسلم . وسبقت له صلى الله عليه وسلم مدة يقيم الصلاة فيها . وكان هذا الراوي الرائي من أصاغر الصحابة ، الذين حصل تمييزهم ورؤيتهم بعد إقامة الصلاة مدة . فهذا مقطوع بتأخره . وكذلك من أسلم بعد مدة إذا أخبر برؤيته للفعل . وهذا ظاهر في التأخير . وهذا تحقيق بالغ .
وقد يجاب عنه بأمر جدلي لا يقوم مقامه . وهو أن يقال : دل الحديث المعين على وقوع هذا الفعل . والأصل عدم غيره وقوعا ، بدلالة الأصل . فينبغي أن يكون وقوعه بيانا . وهذا قد يقوى إذا وجدنا فعلا ليس فيه شيء مما قام الدليل على عدم وجوبه . فأما إذا وجد فيه شيء من ذلك ، فإذا جعلناه مبينا بدلالة الأصل على عدم غيره ، ودل الدليل على عدم وجوبه : لزم النسخ لذلك الوجوب الذي ثبت أولا فيه . [ ص: 235 ] ولا شك أن مخالفة الأصل أقرب من التزام النسخ .
وقولها " وكان يفتتح الصلاة بالتكبير " يدل على أمور :
أحدها : أن الصلاة تفتتح بالتحريم ، أعني ما هو أعم من التكبير ، بمعنى أنه لا يكتفى بالنية في الدخول فيها . فإن التكبير تحريم مخصوص . والدال على وجود الأخص دال على وجود الأعم . وأعني بالأعم هاهنا : هو المطلق . ونقل بعض المتقدمين خلافه . وربما تأوله . بعضهم على مالك . والمعروف خلافه عنه . وعن غيره .
وتأوله غيرهم على أن المراد : يفتتح بسورة الفاتحة قبل غيرها من السور . وليس بقوي ; لأنه إن أجرى مجرى الحكاية فذلك يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه . فلا يكون قبله غيره ; لأن ذلك الغير يكون هو المفتتح به . وإن جعل اسما فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع . أعني " الحمد لله رب العالمين " بل تسمى بسورة الحمد فلو كان لفظ الرواية " كان يفتتح بالحمد " لقوي هذا المعنى . فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث .
وقولها " وكان إذا ركع لم يشخص رأسه " أي لم يرفعه . ومادة اللفظ تدل على الارتفاع . ومنه : أشخص بصره ، إذا رفعه نحو جهة العلو . ومنه الشخص لارتفاعه للأبصار ومنه : شخص المسافر : إذا خرج من منزله إلى غيره . ومنه ما جاء في بعض الآثار " فشخص بي " أي أتاني ما يقلقني . كأنه رفع من الأرض لقلقه .
وقولها " ولم يصوبه " أي لم ينكسه . ومنه الصيب : المطر . صاب يصوب إذا نزل .
قال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوب
.
ومن أطلق " الصيب " على الغيم فهو من باب المجاز ; لأنه سبب الصيب الذي هو المطر .
وقولها " ولكن بين ذلك " إشارة إلى المسنون في الركوع . وهو الاعتدال واستواء الظهر والعنق .
وقولها " وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما " دليل على الرفع من الركوع والاعتدال فيه . والفقهاء اختلفوا في وجوب ذلك على ثلاثة أقوال .
الثالث : يجب ما هو إلى الاعتدال أقرب . وهذا عندنا من الأفعال التي ثبت استمرار النبي صلى الله عليه وسلم عليها ، أعني الرفع من الركوع [ ص: 237 ] وأما قولها " وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي قاعدا " يدل على الرفع من السجود ، وعلى الاستواء في الجلوس بين السجدتين . فأما الرفع : فلا بد منه ; لأنه لا يتصور تعدد السجود إلا به ، بخلاف الرفع من الركوع . فإن الركوع غير متعدد . وسها بعض الفضلاء من المتأخرين ، فذكر ما ظاهره الخلاف في الرفع من الركوع والاعتدال فيه . فلما ذكر السجود قال : الرفع من السجود والاعتدال فيه والطمأنينة كالركوع . فاقتضى ظاهر كلامه : أن الخلاف في الرفع من الركوع جار في الرفع من السجود . وهذا سهو عظيم ; لأنه لا يتصور خلاف في الرفع من السجود ، إذ السجود ، متعدد شرعا . ولا يتصور تعدده إلا بالرفع الفاصل بين السجدتين .
وقولها " وكان يقول في كل ركعتين التحية " أطلقت لفظ " التحية " على التشهد كله ، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل . وهذا الموضع مما فارق فيه الاسم المسمى . فإن " التحية " الملك ، أو البقاء ، أو غيرهما على ما سيأتي . وذلك لا يتصور قوله . وإنما يقال اسمه الدال عليه . وهذا بخلاف قولنا : أكلت الخبز وشربت الماء . فإن الاسم هناك أريد به المسمى . وأما لفظة الاسم : فقد قيل فيها : إن الاسم هو المسمى . وفيه نظر دقيق .
وقولها " وكان يفرش رجله اليسرى . وينصب رجله اليمنى " يستدل به أصحاب أبي حنيفة على اختيار هذه الهيئة للجلوس للرجل . ومالك اختار التورك وهو أن يفضي بوركه إلى الأرض ، وينصب رجله اليمنى . nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي فرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير . ففي الأول اختار الافتراش على التورك . وفي الثاني اختار التورك . وقد ورد أيضا هيئة التورك . فجمع nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بين الحديثين فحمل الافتراش على الأول . وحمل التورك على الثاني . وقد ورد ذلك مفصلا في بعض الأحاديث . ورجح من جهة المعنى بأمرين ليسا بالقويين :
أحدهما : أن المخالفة في الهيئة قد تكون سببا للتذكر عند الشك في كونه في التشهد الأول ، أو في التشهد الأخير .
والثاني : أن الافتراش هيئة استيفاز . فناسب أن تكون في التشهد الأول ; لأن المصلي مستوفز للقيام . والتورك هيئة اطمئنان . فناسب الأخير ، والاعتماد على النقل أولى .
وقولها " وكان ينهى عن عقبة الشيطان " ويروى " عن عقب الشيطان " [ ص: 238 ] وفسر بأن يفرش قدميه ويجلس بأليتيه على عقبيه . وقد سمي ذلك أيضا الإقعاء . وقولها " وينهى أن يفترش إلى قولها - السبع " وهو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود . والسنة : أن يرفعهما ، ويكون الموضوع على الأرض كفيه فقط .
وقولها " وكان يختم الصلاة بالتسليم " أكثر الفقهاء على تعيين التسليم للخروج من الصلاة ، اتباعا للفعل المواظب عليه . ولا يدل الحديث على أكثر من مسمى السلام . وقد يؤخذ من هذا : أن التسليم : من الصلاة لقولها " وكان يختم الصلاة بالتسليم " وليس بالتشهد الظهور في ذلك . وأبو حنيفة يخالف فيه