الثاني : اللفظ يقتضي توجه الأمر بقضائها عند ذكرها . لأنه جعل الذكر ظرفا للمأمور به . فيتعلق الأمر بالفعل فيه . وقد قسم الأمر فيه عند بعض الفقهاء بين ما ترك عمدا . فيجب القضاء فيه على الفور . وقطع به بعض مصنفي الشافعية ، وبين ما ترك بنوم أو نسيان . فيستحب قضاؤه على الفور . ولا يجب . واستدل على عدم وجوبه على الفور في هذه الحالة { بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ - بعد فوات الصلاة بالنوم - أخر قضاءها . واقتادوا رواحلهم ، حتى خرجوا من الوادي } . وذلك دليل على جواز التأخير . وهذا يتوقف على أن لا يكون ثم مانع من المبادرة . وقد قيل : إن المانع أن الشمس كانت طالعة . فأخر القضاء حتى ترتفع ، بناء على مذهب من يمنع القضاء في هذا الوقت . ورد بذلك ( بأنها كانت صبح اليوم ، وأبو حنيفة يجيزها في هذا الوقت ، و ) بأنه جاء في الحديث " فما أيقظهم إلا حر الشمس " وذلك يكون بالارتفاع . وقد يعتقد مانع آخر ، وهو ما دل عليه الحديث ، من أن الوادي به شيطان ، وأخر ذلك للخروج عنه . ولا شك أن هذا علة للتأخير والخروج ، كما دل عليه الحديث ، ولكن هل يكون ذلك مانعا ، على تقدير أن [ ص: 297 ] يكون الواجب المبادرة ؟ في هذا نظر ، ولا يمتنع أن يكون مانعا على تقدير جواز التأخير . .
الثالث : قد يستدل به من يقول بأن من ذكر صلاة منسية - وهو في صلاة - أن يقطعها إذا كانت واجبة الترتيب مع التي شرع فيها . ولم يقل بذلك المالكية مطلقا . بل لهم في ذلك تفصيل مذهبي بين الفذ والإمام والمأموم ، وبين أن يكون الذكر بعد ركعة أو لا . فلا يستمر الاستدلال به مطلقا . وحيث يقال بالقطع ، فوجه الدليل منه : أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر ، ومن ضرورة ذلك : قطع ما هو فيه ، ومن أراد إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين مانعا من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها ، ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل . والله أعلم .
الرابع : قوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=31032لا كفارة لها إلا ذلك } يحتمل أن يراد به : نفي الكفارة المالية ، كما وقع في أمور أخر . فإنه لا يكتفي فيها إلا بالإتيان بها . ويحتمل أن يراد به : أنه لا بدل لقضائها ، كما تقع الأبدال في بعض الكفارات ، ويحتمل أن يراد به : أنه لا يكفي فيها مجرد التوبة والاستغفار ، ولا بد من الإتيان بها . .
الخامس : وجوب القضاء على العامد بالترك من طريق الأولى . فإنه إذا لم تقع المسامحة - مع قيام العذر بالنوم والنسيان - فلأن لا تقع مع عدم العذر أولى . وحكى القاضي عياض عن بعض المشايخ : أن قضاء العامد مستفاد من قوله عليه السلام " فليصلها إذا ذكرها " لأنه بغفلته عنها وعمده كالناسي . ومتى ذكر تركه لها لزمه قضاؤها . وهذا ضعيف . لأن قوله عليه السلام فليصلها إذا ذكرها " كلام مبني على ما قبله . وهو قوله " من نام عن صلاة أو نسيها " والضمير في قوله [ ص: 298 ] فليصلها إذا ذكرها " عائد إلى الصلاة المنسية ، أو التي يقع النوم عنها . فكيف يحمل ذلك على ضد النوم والنسيان ، وهو الذكر واليقظة ؟ نعم لو كان كلاما مبتدأ : مثل أن يقال : من ذكر صلاة فليصلها إذا ذكرها . لكان ما قيل محتملا ، على تمحل مجاز . وأما قوله " كالناسي " إن أراد به : أنه مثله في الحكم فهو دعوى ، ولو صحت لما كان ذلك مستفادا من اللفظ ، بل من القياس ، أو من مفهوم الخطاب الذي أشرنا إليه . وكذلك ما ذكر في ذلك من الاستناد إلى قوله " لا كفارة لها إلا ذلك " والكفارة إنما تكون من الذنب ، والنائم والناسي لا ذنب لهما . وإنما الذنب للعامد لا يصح أيضا لأن الكلام كله مسوق على قوله " من نام عن صلاة أو نسيها " والضمائر عائدة إليها ، فلا يجوز أن يخرج عن الإرادة . ولا أن يحمل اللفظ ما لا يحتمله . وتأويل لفظ " الكفارة " هنا أقرب وأيسر من أن يقال : إن الكلام الدال على الشيء مدلول به على ضده . فإن ذلك ممتنع . وليس ظهور لفظ " الكفارة " في الإشعار بالذنب بالظهور القوي الذي يصادم به النص الجلي ، في أن المراد : الصلاة المنسية ، أو التي وقع النوم عنها ، وقد وردت كفارة القتل خطأ مع عدم الذنب ، وكفارة اليمين بالله مع استحباب الحنث في بعض المواضع ، وجواز اليمين ابتداء ولا ذنب .