أحدها : هذا الحديث صريح في التخلف عن الجماعة في المساجد بسبب أكل هذه الأمور . واللازم عن ذلك أحد أمرين : إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحا ، وصلاة الجماعة غير واجبة على الأعيان ، أو تكون الجماعة واجبة على الأعيان ، ويمتنع أكل هذه الأشياء إذا آذت ، إن حملنا النهي عن القربان على التحريم ، وجمهور الأمة : على إباحة أكلها . لقوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=33967ليس لي تحريم ما أحل الله ، ولكني أكرهه } ولأنه علل بشيء يختص به . وهو قوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=23823فإني أناجي من لا تناجي } ويلزم من هذا : أن لا تكون الجماعة في المسجد واجبة على الأعيان . وتقريره : أن يقال : أكل هذه الأمور جائز بما ذكرناه . ومن لوازمه : ترك صلاة الجماعة في حق آكلها للحديث . ولازم الجائز جائز . فترك الجماعة في حق آكلها جائز . وذلك ينافي الوجوب عليه ونقل عن أهل الظاهر - أو بعضهم - تحريم أكل الثوم ، بناء على وجوب صلاة الجماعة على الأعيان . وتقرير هذا ، أن يقال : صلاة الجماعة واجبة على الأعيان . ولا تتم إلا بترك [ ص: 305 ] أكل الثوم لهذا الحديث . وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . فترك أكل الثوم واجب .
الثاني : قوله " مسجدنا " تعلق به بعضهم في أن هذا النهي مخصوص بمسجد الرسول . وربما يتأكد ذلك بأنه كان مهبط الملك بالوحي . والصحيح المشهور خلاف ذلك ، وأنه عام لما جاء في بعض الروايات . " مساجدنا " ويكون " مسجدنا " للجنس ، أو لضرب المثال . فإن هذا النهي معلل : إما بتأذي الآدميين ، أو بتأذي الملائكة الحاضرين . وذلك يوجد في المساجد كلها .
الثالث : قوله " وأتي بقدر فيه خضرات " قيل إن لفظة " القدر " تصحيف . وأن الصواب " ببدر " بالباء . والبدر الطبق . وقد ورد ذلك مفسرا في موضع آخر ، ومما استبعد به لفظة " القدر " أنها تشعر بالطبخ ، وقد ورد الإذن بأكلها مطبوخة . وأما " البدر " الذي هو الطبق : فلا يشعر كونها فيه بالطبخ . فجاز أن تكون نيئة . فلا يعارض ذلك الإذن في أكلها مطبوخة . بل ربما يدعى . أن ظاهر كونها في الطبق : أن تكون نيئة .
الرابع قوله " قربوها إلى بعض أصحابه " يقتضي ما ذكرناه من إباحة أكلها وترجيح مذهب الجمهور . الخامس : قد يستدل به على أن أكل هذه الأمور من الأعذار المرخصة في ترك حضور الجماعة ، وقد يقال إن هذا الكلام خرج مخرج الزجر عنها ، فلا يقتضي ذلك : أن يكون عذرا في ترك الجماعة ، إلا أن تدعو إلى أكلها ضرورة ، ويبعد هذا من وجه تقريبه إلى بعض أصحابه . فإن ذلك ينافي الزجر ، وأما حديث جابر الأخير وهو :
وفي رواية " بنو آدم " [ ص: 306 ] ففيه زيادة " الكراث " وهو في معنى الأول . إذ العلة تشمله . وقد توسع القائسون في هذا ، حتى ذهب بعضهم إلى أن من به بخر ، أو جرح منه ريح يجرى هذا المجرى ، كما أنهم توسعوا ، وأجروا حكم المجامع التي ليست بمساجد - كمصلى العيد ، ومجمع الولائم - مجرى المساجد لمشاركتها في تأذي الناس بها . وقوله عليه السلام " فإن الملائكة تتأذى " إشارة إلى التعليل بهذا . وقوله في حديث آخر " يؤذينا بريح الثوم " يقتضي ظاهره : التعليل بتأذي بني آدم . ولا تنافي بينهما . والظاهر : أن كل واحد منهما علة مستقلة .