- ثم ذكر نحوه " في الحديث إثبات عذاب القبر . وهو متكرر مستفيض في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والإيمان به واجب . و " فتنة المحيا " ما يتعرض له الإنسان مدة حياته ، من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات ، وأشدها وأعظمها - والعياذ بالله تعالى : أمر الخاتمة عند الموت ، و " فتنة الممات " يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت . أضيفت إلى الموت لقربها منه . وتكون فتنة المحيا - على هذا - ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الإنسان وتصرفه في الدنيا فإن ما قارب شيئا يعطى حكمه . فحالة الموت تشبه بالموت ، ولا تعد من الدنيا . ويجوز أن يكون المراد بفتنة الممات : فتنة القبر ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة القبر " كمثل - أو أعظم - من فتنة الدجال " ولا يكون على هذا متكررا مع قوله " من عذاب القبر " لأن العذاب مرتب على الفتنة : والسبب غير المسبب ، ولا يقال : إن المقصود زوال عذاب القبر لأن الفتنة نفسها أمر عظيم وهو شديد يستعاذ بالله من شره . والحديث الذي ذكره عن مسلم فيه زيادة كون الدعوات مأمورا بها بعد التشهد ، وقد ظهرت العناية بالدعاء بهذه الأمور ، حيث أمرنا بها في كل صلاة . [ ص: 314 ] وهي حقيقة بذلك ، لعظم الأمر فيها ، وشدة البلاء في وقوعها ، ولأن أكثرها - أو كلها - أمور إيمانية غيبية . فتكررها على الأنفس يجعلها ملكة لها . وفي لفظ مسلم أيضا فائدة أخرى .
وهي : تعليم الاستعاذة ، وصيغتها فإنه قد كان يمكن التعبير عنها بغير هذا اللفظ ، ولو عبر بغيره لحصل المقصود وامتثل الأمر . ولكن الأولى قول ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ذهب الظاهرية إلى وجوب هذا الدعاء في هذا المحل . وليعلم أن قوله عليه السلام " إذا تشهد أحدكم فليستعذ " عام في التشهد الأول والأخير معا : وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول . وعدم استحباب الدعاء بعده ، حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه . ( ومن يكون إذا ورد تخصيصه بالأخير متمسكا لهم ، من باب حمل المطلق على المقيد ، أو من باب حمل العام على الخاص . وفيه بحث أشرنا إليه فيما تقدم ) والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء . فمن خصه فلا بد له من دليل راجح . وإن كان نصا فلا بد من صحته . والله أعلم .