فيه دليل على استحباب هذا الذكر المخصوص عقيب الصلاة ، وذلك لما اشتمل عليه من معاني التوحيد ، ونسبة الأفعال إلى الله تعالى ، والمنع والإعطاء ، وتمام القدرة . والثواب المرتب على الأذكار : يرد كثيرا مع خفة الأذكار على اللسان وقلتها وإنما كان ذلك باعتبار مدلولاتها ، وأن كلها راجعة إلى الإيمان الذي هو أشرف الأشياء ، " والجد " الحظ . ومعنى " لا ينفع ذا الجد منك الجد " لا ينفع ذا الحظ حظه . وإنما ينفعه العمل الصالح . و " الجد " ههنا - وإن كان مطلقا - فهو محمول على حظ الدنيا . وقوله " منك " متعلق بينفع وينبغي أن يكون " ينفع " متضمنا معنى [ ص: 324 ] يمنع " أو ما يقاربه ولا يعود " منك " إلى الجد على الوجه الذي يقال فيه : حظي منك قليل أو كثير ، بمعنى عنايتك بي ، أو رعايتك لي . فإن ذلك نافع . وفي أمر معاوية بذلك . المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها ، وفيه جواز العمل بالمكاتبة بالأحاديث ، وإجرائها مجرى المسموع ، والعمل بالخط في مثل ذلك إذا أمن تغييره . وفيه قبول خبر الواحد . وهو فرد من أفراد لا تحصى ، كما قررناه فيما تقدم . وقوله " عن قيل وقال " الأشهر فيه : بفتح اللام على سبيل الحكاية . وهذا النهي لا بد من تقييده بالكثرة التي لا يؤمن معها وقوع الخطل والخطأ ، والتسبب إلى وقوع المفاسد من غير تعيين ، والإخبار بالأمور الباطلة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " كفى بالمرء إثما : أن يحدث بكل ما سمع " وقال بعض السلف : لا يكون إماما من حدث بكل ما سمع .
وأما " إضاعة المال " فحقيقته المتفق عليها : بذلك في غير مصلحة دينية أو دنيوية . وذلك ممنوع ، لأن الله تعالى جعل الأموال قياما لمصالح العباد . وفي تبذيرها تفويت لتلك المصالح ، إما في حق مضيعها ، أو في حق غيره . وأما بذله وكثرة إنفاقه في تحصيل مصالح الأخرى فلا يمتنع من حيث هو وقد قالوا : لا سرف في الخير . وأما إنفاقه في مصالح الدنيا ، وملاذ النفس على وجه لا يليق بحال المنفق ، وقدر ماله : ففي كونه سفها خلاف ، والمشهور : أنه سفه . وقال بعض الشافعية : ليس بسفه . لأنه يقوم به مصالح البدن وملاذه ، وهو غرض صحيح . وظاهر القرآن يمنع من ذلك . والأشهر في مثل هذا : أنه مباح ، أعني إذا كان الإنفاق في غير معصية . وقد نوزع فيه . .
أحدهما : أن يكون ذلك راجعا إلى الأمور العلمية . وقد كانوا يكرهون تكلف المسائل التي لا تدعو الحاجة إليها . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " أعظم الناس جرما عند الله من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين ، فحرم عليهم من أجل مسألته " وفي حديث اللعان لما سئل عن الرجل يجد مع امرأته رجلا . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها ، وفي حديث معاوية [ ص: 325 ] " نهي عن الأغلوطات " وهي شداد المسائل وصعابها . وإنما كان ذلك مكروها : لما يتضمن كثير منه من التكلف في الدين والتنطع . والرجم بالظن من غير ضرورة تدعو إليه ، مع عدم الأمن من العثار ، وخطأ الظن ، والأصل المنع من الحكم بالظن ، إلا حيث تدعو الضرورة إليه .
الوجه الثاني : أن يكون ذلك راجعا إلى سؤال المال . وقد وردت أحاديث في تعظيم مسألة الناس ، ولا شك أن بعض سؤال الناس أموالهم ممنوع . وذلك حيث يكون الإعطاء بناء على ظاهر الحال ، ويكون الباطن خلافه ، أو يكون السائل مخبرا عن أمر هو كاذب فيه : قد جاء في السنة ما يدل على اعتبار ظاهر الحال في هذا ، وهو ما روي " أنه مات رجل من أهل الصفة وترك دينارين . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيتان " وإنما كان ذلك - والله أعلم - لأنهم كانوا فقراء مجردين ، يأخذون ويتصدق عليهم ، بناء على الفقر والعدم . وظهر أن معه هذين الدينارين ، على خلاف ظاهر حاله . والمنقول عن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : جواز السؤال . فإذا قيل بذلك : فينبغي النظر في تخصيص المنع بالكثرة . فإنه إن كانت الصورة تقتضي المنع . فالسؤال ممنوع كثيره وقليله . وإن لم تقتض المنع فينبغي حمل هذا النهي على الكراهة للكثير من السؤال ، مع أنه لا يخلو السؤال من غير حاجة عن كراهة . فتكون الكراهة في الكثرة أشد . وتكون هي المخصوصة بالنهي . وتبين من هذا : أن من يكره السؤال مطلقا - حيث لا يحرم - ينبغي أن لا يحمل قوله " كثرة السؤال " على الوجه الأول المتعلق بالمسائل الدينية ، أو يجعل النهي دالا على المرتبة الأشدية من الكراهة .
وتخصيص العقوق بالأمهات ، مع امتناعه في الآباء أيضا ، لأجل شدة حقوقهن ، ورجحان الأمر ببرهن بالنسبة إلى الآباء . وهذا من باب تخصيص الشيء بالذكر لإظهار عظمه في المنع ، إن كان ممنوعا ، وشرفه إن كان مأمورا به . وقد يراعى في موضع آخر التنبيه بذكر الأدنى على الأعلى . فيخص الأدنى بالذكر ، وذلك بحسب اختلاف المقصود .
[ ص: 326 ] و " وأد البنات " عبارة عن دفنهن مع الحياة . وهذا التخصيص بالذكر لأنه كان هو الواقع في الجاهلية . فتوجه النهي إليه لأن الحكم مخصوص بالبنات .
" ومنع وهات " راجع إلى السؤال مع ضميمة النهي عن المنع ، وهذا يحتمل وجهين .
أحدهما : أن يكون المنع حيث يؤمر بالإعطاء ، وعن السؤال حيث يمنع منه . فيكون كل واحد مخصوصا بصورة غير صورة الآخر .
والثاني أن يجتمعا في صورة واحدة . ولا تعارض بينهما . فيكون وظيفة الطالب : أن لا يسأل ، ووظيفة المعطي : أن لا يمنع إن وقع السؤال . وهذا لا بد أن يستثنى منه ما إذا كان المطلوب محرما على الطالب . فإنه يمتنع على المعطي إعطاؤه لكونه معينا على الإثم . ويحتمل أن يكون الحديث محمولا على الكثرة من السؤال ، والله أعلم . .