أما قوله " فمنا الصائم ومنا المفطر " فدليل على جواز الصوم في السفر ووجه الدلالة : تقرير النبي للصائمين على صومهم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " ففيه أمران :
أحدهما : أنه إذا تعارضت المصالح . قدم أولاها وأقواها .
والثاني : أن قوله رضي الله عنه " ذهب المفطرون اليوم بالأجر " فيه وجهان :
أحدهما : أن يراد بالأجر أجر تلك الأفعال التي فعلوها ، والمصالح التي جرت على أيديهم . ولا يراد مطلق الأجر على سبيل العموم .
والثاني : أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغا ينغمر فيه أجر الصوم فتحصل المبالغة بسبب ذلك . ويجعل كأن الأجر كله للمفطر . وهذا قريب مما يقوله بعض الناس في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر ، وأن ثواب ذلك العمل صار مغمورا جدا بالنسبة إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة ، فكأنه كالمعدوم المحبط ، وإن كان الصوم ههنا ليس من المحبطات ، ولكن المقصود : التشبيه في أن ما قل جدا قد يجعل كالمعدوم مبالغة . وهذا قد يوجد مثله في التصرفات الوجودية ، وأعمال الناس في مقابلتهم حسنات من يفعل معهم منها شيئا بسيئاته ، ويجعل اليسير منها جدا كالمعدوم بالنسبة إلى الإحسان والإساءة ، كحجامة الأب لولده في دفع المرض الأعظم عنه . فإنه يعد محسنا مطلقا . ولا يعد مسيئا بالنسبة إلى إيلامه بالحجامة ، ليسارة ذلك الألم بالنسبة إلى [ ص: 407 ] دفع المرض الشديد .