فيه دليل على عظم الرؤيا ، والاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجوديات ، وعلى ما لا يخالف القواعد الكلية من غيرها . وقد تكلم الفقهاء فيما لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، وأمره بأمر : هل يلزمه ذلك ؟ وقيل فيه : إن ذلك إما أن يكون مخالفا لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأحكام في اليقظة أو لا . فإن كان مخالفا عمل بما ثبت في اليقظة ; لأنا - وإن قلنا : بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المنقول من صفته ، فرؤياه حق - فهذا من قبيل تعارض الدليلين . والعمل بأرجحهما . وما ثبت في اليقظة فهو أرجح . وإن كان غير مخالف لما ثبت في اليقظة : ففيه خلاف .
والاستناد إلى الرؤيا ههنا : في أمر ثبت استحبابه مطلقا ، وهو طلب ليلة القدر . وإنما ترجح السبع الأواخر لسبب المرائي الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو استدلال على أمر وجودي ، إنه استحباب شرعي : مخصوص بالتأكيد ، بالنسبة إلى هذه الليالي ، مع كونه غير مناف للقاعدة الكلية الثابتة ، من استحباب طلب ليلة القدر . وقد قالوا : يستحب في جميع الشهر .
وفي الحديث دليل على أن " ليلة القدر " في شهر رمضان . وهو مذهب الجمهور . وقال بعض العلماء : إنها في جميع السنة . وقالوا : لو قال في رمضان لزوجته : أنت طالق ليلة القدر لم تطلق ، حتى يأتي عليها سنة ; لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون . وصحة النكاح معلومة ، فلا تزال إلا بيقين ، أعني بيقين مرور ليلة القدر وفي هذا نظر ; لأنه إذا دلت الأحاديث على اختصاصها بالعشر الأواخر ، كان إزالة النكاح بناء على مستند شرعي . وهو الأحاديث الدالة على ذلك ، والأحكام المقتضية لوقوع الطلاق يجوز أن تبنى على أخبار الآحاد ، ويرفع بها النكاح ، ولا يشترط في رفع النكاح أو أحكامه : أن يكون ذلك مستندا إلى [ ص: 423 ] خبر متواتر ، أو أمر مقطوع به اتفاقا ، نعم ينبغي أن ينظر إلى دلالة ألفاظ الأحاديث الدالة على اختصاصها بالعشر الأواخر ، ومرتبتها في الظهور والاحتمال . فإن ضعفت دلالتها ; فلما قيل وجه .
وفي الحديث دليل لمن رجح في ليلة القدر غير ليلة الحادي والعشرين ، والثالث والعشرين .