فيه مسائل . الأولى : اختلف الفقهاء في أن المحرم للمرأة من الاستطاعة أم [ ص: 439 ] لا ؟ حتى لا يجب عليها الحج ، إلا بوجود المحرم . والذين ذهبوا إلى ذلك : استدلوا بهذا الحديث . فإن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الحديث . فيمتنع إلا مع المحرم . والذين لم يشترطوا ذلك قالوا : يجوز أن تسافر مع رفقة مأمونين إلى الحج ، رجالا أو نساء . وفي سفرها مع امرأة واحدة : خلاف في مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وهذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا ، وكان كل واحد منهما عاما من وجه ، خاصا من وجه . بيانه : أن قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } يدخل تحته الرجال والنساء . فيقتضي ذلك : أنه إذا وجدت الاستطاعة المتفق عليها : أن يجب عليها الحج .
وقوله عليه السلام " لا يحل لامرأة - الحديث " خاص بالنساء ، عام في الأسفار . فإذا قيل به وأخرج عنه سفر الحج ، لقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } قال المخالف : نعمل بقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } فتدخل المرأة فيه . ويخرج سفر الحج عن النهي . فيقوم في كل واحد من النصين عموم وخصوص . ويحتاج إلى الترجيح من خارج .
الثانية : لفظ " المرأة " عام بالنسبة إلى سائر النساء . وقال بعض المالكية : هذا عندي في الشابة . وأما الكبيرة غير المشتهاة : فتسافر حيث شاءت في كل الأسفار ، بلا زوج ولا محرم . وخالفه بعض المتأخرين من الشافعية من حيث إن المرأة مظنة الطمع فيها ، ومظنة الشهوة ، ولو كانت كبيرة . وقد قالوا : لكل ساقطة لاقطة . والذي قاله المالكي : تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى . وقد اختار هذا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن المرأة تسافر في الأمن . ولا تحتاج إلى أحد ، بل تسير وحدها في جملة القافلة ، فتكون آمنة . وهذا مخالف لظاهر الحديث .
الثالثة : قوله " مسيرة يوم وليلة " اختلف في هذا العدد في الأحاديث . فروي " فوق ثلاث " وروي " مسيرة ثلاث ليال " وروي " لا تسافر امرأة يومين " وروي " مسيرة ليلة " وروي " مسيرة يوم " وروي " يوما وليلة " وروي [ ص: 440 ] بريدا " وهو أربع فراسخ . وقد حملوا هذا الاختلاف على حسب اختلاف السائلين ، واختلاف المواطن ، وأن ذلك متعلق بأقل ما يقع عليه اسم السفر .
الرابعة " ذو المحرم " عام في محرم النسب ، كأبيها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وخالها وعمها ، ومحرم الرضاع ، ومحرم المصاهرة ، كأبي زوجها وابن زوجها .
واستثنى بعضهم ابن زوجها .
فقال : يكره سفرها معه ، لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول . ; لأن كثيرا من الناس لا ينزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلة محارم النسب . والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله عز وجل النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب ، والحديث عام . فإن كانت هذه الكراهة للتحريم - مع محرمية ابن الزوج - فهو مخالف لظاهر الحديث بعيد . وإن كانت كراهة تنزيه للمعنى المذكور فهو أقرب تشوفا إلى المعنى . وقد فعلوا مثل ذلك في غير هذا الموضع . وما يقوي ههنا : أن قوله " لا يحل " استثنى منه السفر مع المحرم . فيصير التقدير : إلا مع ذي محرم فيحل . ويبقى النظر في قولنا " يحل " هل يتناول المكروه أم لا يتناوله ؟ بناء على أن لفظة " يحل " تقتضي الإباحة المتساوية الطرفين ، فإن قلنا : لا يتناول المكروه ، فالأمر قريب مما قاله ، إلا أنه تخصيص يحتاج إلى دليل شرعي عليه ، وإن قلنا : يتناول ، فهو أقرب ; لأن ما قاله لا يكون حينئذ منافيا لما دل عليه اللفظ .
و " المحرم " الذي يجوز معه السفر والخلوة : كل من حرم نكاح المرأة عليه لحرمتها على التأبيد بسبب مباح ، فقولنا " على التأبيد " احترازا من أخت الزوجة وعمتها وخالتها ، وقولنا " بسبب مباح " احترازا من أم الموطوءة بشبهة ، فإنها ليست محرما بهذا التفسير ، فإن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة ، وقولنا " لحرمتها " احترازا من الملاعنة ، فإن تحريمها ليس لحرمتها ، بل تغليظا ، هذا ضابط مذهب الشافعية .
الخامسة : لم يتعرض في هاتين الروايتين للزوج .
وهو موجود في رواية أخرى ولا بد من إلحاقه بالحكم بالمحرم في جواز السفر معه ، اللهم إلا أن يستعملوا لفظة " الحرمة " في إحدى الروايتين في غير معنى المحرمية استعمالا لغويا فيما يقتضي الاحترام . فيدخل فيه الزواج لفظا . والله أعلم .