. " الخربة " بالخاء المعجمة والراء المهملة : هي الخيانة . وقيل : البلية وقيل : التهمة . وأصلها في سرقة الإبل . قال الشاعر :
وتلك قربى مثل أن تناسبا أن تشبه الضرائب الضرائبا والخارب اللص يحب الخاربا
.
الكلام عليه من وجوه :
الأول : " أبو شريح " الخزاعي ، ويقال فيه : العدوي ويقال : الكعبي ، اسمه : خويلد بن عمرو - وقيل : عمرو بن خويلد وقيل nindex.php?page=showalam&ids=13760عبد الرحمن بن عمرو . وقيل هانئ بن عمرو - أسلم قبل فتح مكة . وتوفي بالمدينة سنة ثمان وستين .
[ ص: 444 ] الثاني : قول " ائذن لي أيها الأمير في أن أحدثك " فيه حسن الأدب في المخاطبة للأكابر - لا سيما الملوك - لا سيما فيما يخالف مقصودهم ; لأن ذلك يكون أدعى للقبول ، لا سيما في حق من يعرف منه ارتكاب غرضه ، فإن الغلظة عليه قد تكون سببا لإثارة نفسه ، ومعاندة من يخاطبه .
وقوله " أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسمعته أذناي . ووعاه قلبي " تحقيق لما يريد أن يخبر به . وقوله " سمعته أذناي " نفي لوهم أن يكون رواه عن غيره وقوله " ووعاه قلبي " تحقيق لفهمه ، والتثبت في تعقل معناه .
الثالث : قوله " فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر : أن يسفك بها دما " يؤخذ منه أمران :
أحدهما : تحريم القتال بمكة لأهل مكة . وهو الذي يدل عليه سياق الحديث ولفظه . وقد قال بذلك بعض الفقهاء . قال القفال في شرح التلخيص ، في أول كتاب النكاح ، في ذكر الخصائص : لا يجوز القتال بمكة . قال : حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم فيها وحكى الماوردي أيضا : أن من خصائص الحرم : أن لا يحارب أهله إن بغوا على أهل العدل . فقد قال بعض الفقهاء : يحرم قتالهم ، بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ، ويدخلوا في أحكام أهل العدل ، قال وقال جمهور الفقهاء : يقاتلون على البغي إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال ; لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها ، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها .
وقيل : إن هذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء : نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب اختلاف الحديث من كتب الأم ونص عليه أيضا في آخر كتابه المسمى بسير nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي . وقيل : إن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أجاب عن الأحاديث : بأن معناها تحريم نصب القتال عليهم وقتالهم بما يعم ، كالمنجنيق وغيره ، إذا لم يمكن إصلاح الحال بدون ذلك ، بخلاف ما إذا انحصر الكفار في بلد آخر . فإنه يجوز قتالهم على كل وجه ، وبكل شيء . والله أعلم .
وأقول : هذا التأويل على خلاف الظاهر القوي ، الذي دل عليه عموم النكرة في سياق النفي ، في قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=31431فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما } وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين خصوصيته لإحلالها له ساعة من نهار وقال " فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " فأبان بهذا اللفظ : أن المأذون للرسول صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن فيه لغيره . والذي أذن [ ص: 445 ] للرسول فيه : إنما هو مطلق القتال ، ولم يكن قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة بمنجنيق وغيره مما يعم ، كما حمل عليه الحديث في هذا التأويل وأيضا فالحديث وسياقه يدل على أن هذا التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم مطلق القتال فيها وسفك الدم . وذلك لا يختص بما يستأصل . وأيضا فتخصيص الحديث بما يستأصل ليس لنا دليل على تعين هذا الوجه بعينه لأن يحمل عليه الحديث . فلو أن قائلا أبدى معنى آخر ، وخص به الحديث : لم يكن بأولى من هذا .
الرابع " العضد " القطع ، عضد - بفتح الضاد في الماضي يعضد - بكسر الضاد : يدل على تحريم قطع أشجار الحرم ، واتفقوا عليه فيما لا يستنبته الآدميون في العادة واختلف الفقهاء فيما يستنبته الآدميون . والحديث عام في عضد ما يسمى شجرا .
وأقول : الذي أراه إن هذا الكلام من باب خطاب التهييج ، فإن مقتضاه : أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر ، بل ينافيه : هذا هو المقتضي لذكر هذا الوصف . ولو قيل : لا يحل لأحد مطلقا ، لم يحصل به الغرض . وخطاب التهييج معلوم عند علماء البيان ومنه قوله تعالى { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } إلى غير ذلك .
السادس : فيه دليل على أن مكة فتحت عنوة . وهو مذهب الأكثرين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره : فتحت صلحا ، وقيل في تأويل الحديث : إن القتال كان جائزا [ ص: 446 ] له صلى الله عليه وسلم في مكة فلو احتاج إليه لفعله . ولكن ما احتاج إليه .
السابع قوله " فليبلغ الشاهد الغائب " فيه تصريح بنقل العلم ، وإشاعة السنن والأحكام .
وقول عمرو " أنا أعلم منك بذلك يا أبا شريح - إلى آخره " هو كلامه . ولم يسنده إلى رواية . وقوله " لا يعيذ عاصيا " أي لا يعصمه . وقوله " ولا فارا بخربة " قد فسرها المصنف ، ويقال فيها : بضم الخاء وأصلها : سرقة الإبل ، كما قال . وتطلق على كل خيانة . وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " أنها البلية " وعن الخليل أنه قال : هي الفساد في الدين ، من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض ، وقيل : هي العيب .