قوله " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم " قيل " : هو محمول على التمتع اللغوي وهو الانتفاع . ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قارنا عند قوم ، والقران فيه تمتع وزيادة - إذ فيه إسقاط أحد العملين ، وأحد الميقاتين - سمي تمتعا على هذا ، باعتبار الوضع اللغوي . وقد يحمل قوله " تمتع " على الأمر بذلك ، كما قيل بمثل هذا في حجة [ ص: 460 ] النبي صلى الله عليه وسلم لما اختلفت الأحاديث ، وأريد الجمع بينها ، ويدل على هذا التأويل المحتمل : ما ذكرناه ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - راوي هذا الحديث - هو الذي روى " أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد " .
وقوله " وساق الهدي " فيه دليل على استحباب سوق الهدي من الأماكن البعيدة . وقوله " فبدأ فأهل بالعمرة ثم بالحج " نص في الإهلال بهما .
ولما ذهب بعض الناس إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قارن - بمعنى أنه أحرم بهما معا - احتاج إلى تأويل قوله " أهل بالعمرة ثم بالحج " فإنه على خلاف اختياره . فيجعل الإهلال في قوله : أهل بالعمرة ثم بالحج " على رفع الصوت بالتلبية ويكون قد قدم فيها لفظ الإحرام بالعمرة على لفظه بالحج . ولا يراد به تقديم الإحرام بالعمرة على الإحرام بالحج ; لأنه خلاف ما رواه واعلم أنه لا نحتاج الجمع بين الأحاديث إلى ارتكاب كون " القران " بمعنى : تقديم الإحرام بالحج على الإحرام بالعمرة . فإنه يمكن الجمع ، وإن كان قد وقع الإحرام بالعمرة أولا . فالتأويل الذي ذكره على الوجه الذي ذكره : غير محتاج إليه في طريق الجمع .
وقوله " فتمتع الناس إلى آخره " حمل على التمتع اللغوي . فإنهم لم يكونوا متمتعين بمعنى التمتع المشهور ، فإنهم لم يحرموا بالعمرة ابتداء . وإنما تمتعوا بفسخ الحج إلى العمرة على ما جاء في الأحاديث . فقد استعمل " التمتع " في معناه اللغوي ، أو يكونون تمتعوا بفسخ الحج إلى العمرة ، كمن أحرم بالعمرة ابتداء . نظرا إلى المآل . ثم إنهم أحرموا بالحج بعد ذلك ، فكانوا متمتعين . وقوله صلى الله عليه وسلم " من كان منكم قد أهدى - إلى آخره " موافق لقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } .
وقوله " فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة " دليل على طلب هذا الطواف في الابتداء .
وقوله " فليقصر " أي من شعره . وهو التقصير في العمرة عند التحلل منها . قيل : وإنما لم يأمره بالحلق حتى يبقى على الرأس ما يحلقه في الحج فإن الحلاق في الحج أفضل من الحلاق في العمرة . كما ذكر بعضهم . واستدل بالأمر [ ص: 461 ] في قوله " فليحلق " على أن الحلاق نسك . وقيل : في قوله " فليحلل " إن المراد به : يصير حلالا . إذ لا يحتاج بعد فعل أفعال العمرة ، والحلاق فيها : إلى تجديد فعل آخر . ويحتمل عندي أن يكون المراد بالأمر بالإحلال : هو فعل ما كان حراما عليه في حال الإحرام من جهة الإحرام ، ويكون الأمر للإباحة .
وقوله " فمن لم يجد الهدي " يقتضي تعلق الرجوع إلى الصوم عن الهدي بعدم وجدانه حينئذ ، وإن كان قادرا عليه في بلده ; لأن صيامه ثلاثة أيام في الحج إذا عدم الهدي يقتضي الاكتفاء بهذا البدل في الحال ، لقوله " ثلاثة أيام في الحج " وأيام الحج محصورة ، فلا يمكن أن يصوم في الحج إلا إذا كان قادرا على الصوم في الحال ، عاجزا عن الهدي في الحال ، وذلك ما أردناه .
وقوله صلى الله عليه وسلم " في الحج " هو نص كتاب الله تعالى . فيستدل به على أنه لا يجوز للمتمتع الصيام قبل دخوله في الحج ، لا من حيث المفهوم فقط ، بل من حيث تعلق الأمر بالصوم الموصوف بكونه في الحج . وأما الهدي قبل الدخول في الحج : فقيل لا يجوز . وهو قول بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . والمشهور من مذهبه : جواز الهدي بعد التحلل من العمرة ، وقبل الإحرام بالحج وأبعد من هذا : من أجاز الهدي قبل التحلل من العمرة من العلماء . وقد يستدل به من يجيز للمتمتع صوم أيام التشريق بعد إثبات مقدمه وهي أن تلك الأيام من الحج ، أو تلك الأفعال الباقية ينطلق عليها : أنها من الحج ، أو وقتها من وقت الحج .
وقوله " إذا رجع إلى أهله " دليل لأحد القولين للعلماء في أن المراد بالرجوع من قوله تعالى { إذا رجعتم } هو الرجوع إلى الأهل ، لا الرجوع من منى إلى مكة .
وقوله " ثلاثة أطواف " يدل على تعميم هذه الثلاثة بالخبب ، على خلاف ما تقدم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقد ذكرنا ما فيه .
وقوله " عند المقام ركعتين " دليل على استحباب أن تكون ركعتا الطواف عند المقام . و " طوافه بين الصفا والمروة " عقيب طواف القدوم : دليل على مشروعية ذلك على هذا الوجه ، واستحباب أن يكون السعي عقيب طواف القدوم . وقد قال بعض الفقهاء : إنه يشترط في السعي : أن يكون عقيب طواف كيف كان . وقال بعضهم : لا بد أن يكون عقيب طواف واجب . وهذا القائل يرى أن طواف القدوم واجب ، وإن لم يكن ركنا .
وقوله " ثم لم يحلل . .. إلخ " امتثالا لقوله تعالى { حتى يبلغ الهدي محله } ودليل على أن ذلك حكم القارن .
وقوله " وفعل مثل ما فعل من ساق الهدي " يبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن ساق الهدي في حديث آخر بأن " لا يحل منها حتى يحل منهما جميعا " .