، وفيه دليل على تخصيص الوصية بالثلث وفيه دليل على أن الثلث في حد الكثرة في باب الوصية وقد اختلف مذهب مالك في الثلث بالنسبة إلى مسائل متعددة ، ففي بعضها جعل في حد الكثرة ، وفي بعضها جعل في حد القلة ، فإذا جعل في حد الكثرة استدل بقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=13994والثلث كثير } إلا أن هذا يحتاج إلى أمرين أحدهما : أن لا يعتبر السياق الذي يقتضي تخصيص كثرة الثلث بالوصية ، بل يؤخذ لفظا عاما والثاني : أن يدل دليل على اعتبار مسمى الكثرة في ذلك الحكم فحينئذ يحصل المقصود ، بأن يقال : الكثرة معتبرة في هذا الحكم ، والثلث كثير فالثلث معتبر ، ومتى لم تلمح كل واحدة من هاتين المقدمتين : لم يحصل المقصود .
مثال من ذلك : ذهب بعض أصحاب مالك إلى أنه إذا مسح ثلث رأسه في الوضوء : أجزأه ; لأنه كثير للحديث فيقال له : لم قلت إن مسمى الكثرة معتبر في المسح ؟ فإذا أثبته قيل له : لم قلت إن مطلق الثلث كثير ، وإن كل ثلث فهو كثير بالنسبة إلى كل حكم ؟ وعلى هذا فقس سائر المسائل ، فيطلب فيها تصحيح كل [ ص: 547 ] واحدة من المقدمتين
وفيه دليل على أن طلب الغني للورثة راجح على تركهم فقراء عالة يتكففون الناس ومن هذا : أخذ بعضهم استحباب الغض من الثلث ، وقالوا أيضا : ينظر إلى قدر المال في القلة والكثرة ، فتكون الوصية بحسب ذلك اتباعا للمعنى المذكور في الحديث ، من ترك الورثة أغنياء
وفيه دليل على أن الثواب في الإنفاق : مشروط بصحة النية في ابتغاء وجه الله وهذا دقيق عسر ، إذا عارضه مقتضى الطبع والشهوة ، فإن ذلك لا يحصل الغرض من الثواب ، حتى يبتغي به وجه الله . ويشق تخليص هذا المقصود مما يشوبه من مقتضى الطبع والشهوة
وقد يكون فيه دليل على أن الواجبات المالية إذا أديت على قصد الواجب وابتغاء وجه الله : أثيب عليها فإن قوله " حتى ما تجعل في في امرأتك " لا تخصيص له بغير الواجب ، ولفظة " حتى " ههنا تقتضي المبالغة في تحصيل هذا الأجر بالنسبة إلى المغيا ، كما يقال : جاء الحاج حتى المشاة ، ومات الناس حتى الأنبياء فيمكن أن يقال : سبب هذا : ما أشرنا إليه من توهم أن أداء الواجب قد يشعر بأنه لا يقتضي غيره ، وأن لا يزيد على تحصيل براءة الذمة ، ويحتمل أن يكون ذلك دفعا لما عساه يتوهم ، من أن إنفاق الزوج على الزوجة ، وإطعامه إياها ، واجبا أو غير واجب : لا يعارض تحصيل الثواب إذا ابتغى بذلك وجه الله كما جاء في حديث زينب الثقفية ، لما أرادت الإنفاق من عندها ، وقالت " لست بتاركتهم " وتوهمت أن ذلك مما يمنع الصدقة عليهم ، فرفع ذلك عنها ، وأزيل الوهم نعم في مثل هذا يحتاج إلى النظر في أنه هل يحتاج إلى نية خاصة في الجزئيات ، أم تكفي نية عامة ؟ وقد دل الشرع على الاكتفاء بأصل النية وعمومها في باب الجهاد ، حيث قال " لو مر بنهر ، ولا يريد أن يسقي به ، فشربت : كان له أجر " أو كما قال : فيمكن أن يعدى هذا إلى سائر الأشياء فيكتفى بنية مجملة أو عامة ولا يحتاج في الجزئيات إلى ذلك .
وقوله عليه السلام " ولعلك أن تخلف إلخ " تسلية لسعد على كراهيته للتخلف بسبب المرض الذي وقع له وفيه إشارة إلى تلمح هذا المعنى ، حيث تقع [ ص: 548 ] بالإنسان المكاره ، حتى تمنعه مقاصد له ، ويرجو المصلحة فيما يفعله الله تعالى وقوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=14823اللهم أمض لأصحابي هجرتهم } لعله يراد به : إتمام العمل على وجه لا يدخله نقض ، ولا نقض لما ابتدئ به .
وفيه دليل على تعظيم أمر الهجرة ، وأن ترك إتمامها مما يدخل تحت قوله " ولا تردهم على أعقابهم "