الطلاق في الحيض محرم للحديث وذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لعله ليعرفه الحكم " وتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم " إما ; لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا ، وكان يقتضي الحال التثبت في الأمر ، أو لأنه كان يقتضي الأمر المشاورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك إذا عزم عليه .
وقوله عليه السلام " ليراجعها " صيغة أمر ، محمولة عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على [ ص: 572 ] الاستحباب وعند مالك على الوجوب ويجبر الزوج على الرجعة إذا طلق في الحيض عنده واللفظ يقتضي امتداد المنع للطلاق إلى أن تطهر من الحيضة الثانية ; لأن صيغة " حتى " للغاية وقد علل توقف الأمر إلى الطهر من الحيضة الثانية بأنه لو طلق في الطهر من الحيضة الأولى ، لكانت الرجعة لأجل الطلاق وليس ذلك موضوعها إنما هي موضوعة للاستباحة ، فإذا أمسك عن الطلاق في هذا الطهر : استمرت الإباحة فيه وربما كان دوام مدة الاستباحة مع المعاشرة سببا للوطء فيمتنع الطلاق في ذلك الطهر ، لأجل الوطء فيه وفي الحيض الذي يليه فقد يكون سببا لدوام العشرة . ومن الناس من علل امتناع الطلاق في الحيض بتطويل العدة .
فإن تلك الحيضة لا تحسب من العدة فيطول زمان التربص . ومنهم من لم يعلل بذلك ، ورأى الحكم معلقا بوجود الحيض وصورته . وينبني على هذا ما إذا قلنا : إن الحامل تحيض ، فطلقها في الحيض الواقع في الحمل فمن علل بتطويل العدة : لم يحرم ; لأن العدة ههنا بوضع الحمل ، ومن أدار الحكم على صورة الحيض : منع .
وقد يؤخذ من الحديث : ترجيح المنع في هذه الصورة من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم المراجعة من غير استفصال ، ولا سؤال عن حال المرأة : هل هي حامل ، أو حائل ؟ وترك الاستفصال في مثل هذا : ينزل منزلة عموم المقال عند جمع من أرباب الأصول ، إلا أنه قد يضعف ههنا هذا المأخذ ، لاحتمال أن يكون ترك الاستفصال لندرة الحيض في الحمل .
وينبني أيضا على هذين المأخذين : ما إذا سألت المرأة الطلاق في الحيض : هل يحرم طلاقها فيه ؟ فمن مال إلى التعليل بطول المدة ، لما فيه من الإضرار بالمرأة : لم يقتض ذلك التحريم ; لأنها رضيت بذلك الضرر . ومن أدار الحكم على صورة الحيض : منع . والعمل بظاهر الحديث في ذلك أولى . وقد يقال في هذا ما قيل في الأول من ترك الاستفصال وقد يجاب عنه فيهما بأنه مبني على الأصل ، فإن الأصل عدم سؤال الطلاق وعدم الحمل .
ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء ، هل هو أمر [ ص: 573 ] بذلك الشيء أم لا ؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في بعض طرق هذا الحديث " مره فأمره بأمره " وعلى كل حال : فلا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب . وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر : هل هي لوازم لصيغة الأمر بالأمر ، بمعنى أنهما : هل يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد ، أم لا ؟ .
وفي قوله " قبل أن يمسها " دليل على امتناع الطلاق في الطهر الذي مسها فيه . فإنه شرط في الإذن عدم المسيس لها . والمعلق بالشرط معدوم عند عدمه ، وهذا هو السبب الثاني لكون الطلاق بدعيا وهو الطلاق في طهر مسها فيه وهو معلل بخوف الندم . فإن المسيس سبب الحمل وحدوث الولد ، وذلك سبب لندامة الطلاق .
وقوله " فحسبت من طلاقها " هو مذهب الجمهور من الأمة . أعني وقوع الطلاق في الحيض والاعتداد به .