" اللعان " لفظة مشتقة من " اللعن " سميت بذلك لما في اللفظ من ذكر اللعنة . وقوله " أرأيت لو أن أحدنا " يحتمل أن يكون سؤالا عن أمر لم يقع ، فيؤخذ منه : جواز مثل ذلك ، والاستعداد للوقائع بعلم أحكامها قبل أن تقع وعليه استمر عمل الفقهاء فيما فرعوه ، وقرروه من النازل قبل وقوعها . وقد كان من السلف من يكره الحديث في الشيء قبل أن يقع ، ويراه من ناحية التكلف .
وقول الراوي " فلما كان بعد ذلك : أتاه ، فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به " يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون السؤال عما لم يقع ، ثم وقع .
والثاني : أن يكون السؤال أولا عما وقع ، وتأخر الأمر في جوابه ، فبين ضرورته إلى معرفة الحكم .
والحديث يدل على أن سؤاله سبب نزول الآية وتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم لها عليه : لتعريف الحكم والعمل بمقتضاها وموعظة النبي صلى الله عليه وسلم : قد ذكر الفقهاء استحبابها ، عندما تريد المرأة أن تلفظ بالغضب .
وظاهر هذه الرواية : أنه لا يختص بالمرأة فإنه ذكره فيها وفي الرجل فلعل هذه موعظة عامة ولا شك أن الرجل متعرض للعذاب وهو حد القذف ، كما أن المرأة متعرضة للعذاب ، الذي هو الرجم ، إلا أن عذابها أشد .
وظاهر لفظ الحديث والكتاب العزيز : يقتضي تعيين لفظ " الشهادة " وذلك يقتضي أن لا تبدل بغيرها . [ ص: 586 ] والحديث يقتضي أيضا : البداءة بالرجل . وكذلك لفظ الكتاب العزيز لقوله تعالى { ويدرأ عنها العذاب } فإن " الدرء " يقتضي وجوب سبب العذاب عليها ، وذلك بلعان الزوج واختصت المرأة بلفظ " الغضب " لعظم الذنب بالنسبة إليها على تقدير وقوعه ، لما فيه من تلويث الفراش ، والتعرض لإلحاق من ليس من الزوج به وذلك أمر عظيم ، يترتب عليه مفاسد كثيرة ، كانتشار المحرمية ، وثبوت الولاية على الإناث ، واستحقاق الأموال بالتوارث . فلا جرم خصت بلفظة " الغضب " التي هي أشد من " اللعنة " ولذلك قالوا : لو أبدلت المرأة الغضب باللعنة : لم يكتف به . أما لو أبدل الرجل اللعنة بالغضب : فقد اختلفوا فيه . والأولى اتباع النص .
وفي الحديث : دليل على إجراء الأحكام على الظاهر ، وعرض التوبة على المذنبين وقد يؤخذ منه : أن الزوج لو رجع وأكذب نفسه : كان توبة ، ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى التوبة فيما بينهما وبين الله .
وقوله عليه السلام " لا سبيل لك عليها " يمكن أن يؤخذ منه : وقوع التفريق بينهما باللعان لعموم قوله " لا سبيل لك عليها " ويحتمل أن يكون " لا سبيل لك عليها " راجعا إلى المال .
وقوله " إن كنت صادقا عليها فهو بما استحللت من فرجها " دليل على استقرار المهر بالدخول ، وعلى استقرار مهر الملاعنة . أما هذا : فبالنص . وأما الأول : فبتعليله صلى الله عليه وسلم وقوله " بما استحللت من فرجها " فيه دليل على أنه لا يستقر ولو أكذبت نفسها ، لوجود العلة المذكورة ، والله أعلم .