وسابعها : المشهور في الرواية " يغسل ذكره " بضم اللام على صيغة الإخبار وهو استعمال لصيغة الإخبار بمعنى الأمر ، واستعمال صيغة الإخبار بمعنى الأمر جائز مجازا ; لما يشتركان فيه من معنى الإثبات للشيء .
ولو روى : يغسل ذكره - بجزم اللام ، على حذف اللام الجازمة ، وإبقاء عملها - لجاز عند بعضهم على ضعف ، ومنهم من منعه إلا لضرورة ، كقول الشاعر :
محمد تفد نفسك كل نفس
.
وثامنها " وانضح فرجك " يراد به : الغسل هنا ; لأنه المأمور به مبينا في الرواية الأخرى ; ولأن غسل النجاسة المغلظة لا بد منه ، ولا يكتفى فيه بالرش الذي هو دون الغسل ، والرواية " وانضح " بالحاء المهملة ، لا نعرف غيره ، ولو روي " انضخ " بالخاء المعجمة ، لكان أقرب إلى معنى الغسل ، فإن النضخ بالمعجمة - أكبر من النضح بالمهملة .
وتاسعها : قد يتمسك به - أو تمسك به - في قبول خبر الواحد ، من حيث إن عليا رضي الله عنه أمر المقداد بالسؤال ، ليقبل خبره ، والمراد بهذا : ذكر صورة من الصور التي تدل على قبول خبر الواحد وهي فرد من أفراد لا تحصى ، والحجة تقوم بجملتها ، لا بفرد معين منها ; لأن إثبات ذلك بفرد معين : إثبات للشيء بنفسه ، وهو محال ، وإنما تذكر صورة مخصوصة للتنبيه على أمثالها ، لا للاكتفاء بها ، فليعلم ذلك ، فإنه مما انتقد على بعض العلماء ، حيث استدل بآحاد ، وقيل : أثبت خبر الواحد ، وجوابه : ما ذكرناه ، ومع هذا فالاستدلال عندي لا يتم بهذه الرواية وأمثالها ، لجواز أن يكون المقداد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي بحضرة علي ، فسمع علي الجواب ، فلا يكون من باب قبول خبر الواحد ، وليس من ضرورة كونه يسأل عن المذي بحضرة علي : أن يذكر أنه هو السائل نعم إن وجدت رواية مصرحة بأن عليا أخذ هذا الحكم عن المقداد ، ففيه الحجة .
وعاشرها : قد يؤخذ من قوله عليه السلام في بعض الروايات " توضأ وانضح فرجك " جواز تأخير الاستنجاء عن الوضوء ، وقد صرح به بعضهم ، وقال [ ص: 119 ] في قوله " توضأ واغسل ذكرك " : إن فيه دليلا على أن الاستنجاء يجوز وقوعه بعد الوضوء ، وأن الوضوء لا يفسد بتأخير الاستنجاء عنه ، وهذا يتوقف على القول بكون الواو للترتيب ، وهو مذهب ضعيف ، وفي هذا التوقف نظر ، وليعلم بأنه لا يفسد الوضوء بتأخير الاستنجاء ، إذ كان الاستنجاء بحائل يمنع انتقاض الطهارة .
وحادي عشرها : اختلفوا في أنه هل يجوز في المذي الاقتصار على الأحجار ؟ والصحيح : أنه لا يجوز ، ودليله : أمره صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر منه ، فإن ظاهره يعين الغسل ، والمعين لا يقع الامتثال إلا به .
ثاني عشرها : " الفرج " ، هنا هو الذكر ، والصيغة لها وضعان : لغوي ، وعرفي ، فأما اللغوي : فهو مأخوذ ، من الانفراج ، فعلى هذا : يدخل فيه الدبر ، ويلزم منه انتقاض الطهارة بمسه ، لدخوله تحت قوله " من مس فرجه فليتوضأ " وأما العرفي : فالغالب استعماله في القبل من الرجل والمرأة .
والشافعية استدلوا في انتقاض الوضوء بمس الدبر بالحديث ، وهو قوله " من مس فرجه " فيحتمل أن يكون ذلك ; لأنه لم يثبت في ذلك عند المستدل به عرف يخالف الوضع ، ويحتمل أن يكون ذلك ; لأنه ممن يقدم الوضع اللغوي على الاستعمال العرفي .