المسألة الثانية : اختلفوا في مقدار التعزير . والمنقول عن مالك : أنه لا يتقدر بهذا القدر ، ويجيز في العقوبات فوق هذا . وفوق الحدود على قدر الجريمة وصاحبها ، وأن ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . وظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أنه لا يبلغ بالتعزير إلى الحدود وعلى هذا : ففي المعتبر وجهان :
أحدهما : أدنى الحدود في حق المعزر فلا يزاد في تعزير الحر على تسع وثلاثين ضربة ليكون دون حد الشرب ولا في تعزير العبد على تسعة عشر سوطا .
والثاني : أنه يعتبر أدنى الحدود على الإطلاق فلا يزاد في تعزير الحر أيضا على تسعة عشر سوطا [ ص: 635 ] أيضا . وفي وجه ثالث : أن الاعتبار بحد الأحرار فيجوز أن يزاد تعزير العبد على عشرين ، وذهب غير واحد إلى ظاهر الحديث وهو أنه لا يزاد في التعزير على عشرة وإليه ذهب من الشافعية صاحب التقريب وذكر بعض المصنفين منهم : أن الأظهر أنه يجوز الزيادة على العشر واختلف المخالفون لظاهر هذا الحديث في العذر عنه فقال بعض مصنفي الشافعية : إنه منسوخ بعمل الصحابة بخلافه وهذا ضعيف جدا ; لأنه يتعذر عليه إثبات إجماع الصحابة على العمل بخلافه . وفعل بعضهم أو فتواه لا يدل على النسخ ، والمنقول في ذلك : فعل عمر رضي الله عنه " أنه ضرب صبيغا أكثر من الحد ، أو من مائة " وصبيغ هذا - بفتح الصاد المهملة وكسر ثاني الحروف وآخره غين معجمة . وقال بعض المالكية : وتأول أصحابنا الحديث على أنه مقصور على زمن النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر . وهذا في غاية الضعف أيضا ; لأنه ترك للعموم بغير دليل شرعي على الخصوص . وما ذكره مناسبة ضعيفة لا تستقل بإثبات التخصيص .
قال هذا المالكي : وتأولوه أيضا على أن المراد بقوله " في حد من حدود الله " أي حق من حقوقه ، وإن لم يكن من المعاصي المقدرة حدودها ; لأن المحرمات كلها من حدود الله . وبلغني عن بعض أهل العصر : أنه قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد [ ص: 636 ] بهذه المقدرات أمر اصطلاحي فقهي ، وأن عرف الشرع في أول الإسلام : لم يكن كذلك ، أو يحتمل أن لا يكون كذلك - هذا أو كما قال - فلا يخرج عنه إلا التأديبات التي ليست عن محرم شرعي وهذا - أولا - خروج في لفظة " الحد " عن العرف فيها . وما ذكره هذا العصري : يوجب النقل ، والأصل عدمه . وثانيا : أنا إذا حملناه على ذلك ، وأجزنا في كل حق من حقوق الله : أن يزاد لم يبق لنا شيء يختص المنع فيه بالزيادة على عشرة أسواط إذ ما عدا المحرمات كلها التي لا تجوز فيها الزيادة ليس إلا ما ليس بمحرم ، وأصل التعزير فيه ممنوع . فلا يبقى لخصوص منع الزيادة معنى وهذا أوردناه على ما قاله المالكي في إطلاقه لحقوق الله وقد يتعذر عنه بما أشرنا إليه ، من أنه لا يخرج عنه إلا التأديبات على ما ليس بمحرم ومع هذا فيحتاج إلى إخراجها عن كونها من حقوق الله .
وثالثا - على أصل الكلام وما قاله العصري ، فيما نقل عنه - ما تقدم في الحديث قبله من حديث عبد الرحمن " أخف الحدود ثمانون " فإنه يقطع دابر هذا الوهم ويدل على أن مصطلحهم في الحدود : إطلاقها على المقدرات التي يطلق عليها الفقهاء اسم " الحد " فإن ما عدا ذلك لا ينتهي إلى مقدار أربعين ، فهو ثمانون وإنما المنتهى إليه : هي الحدود المقدرات ، وقد ذهب أشهب من المالكية إلى ظاهر هذا الحديث كما ذهب إليه صاحب التقريب من الشافعية . والحديث متعرض للمنع من الزيادة على العشرة ، ويبقى ما دونها لا تعرض للمنع فيه وليس التخيير فيه ، ولا في شيء مما يفوض إلى الولاة : تخيير تشه ، بل لا بد عليهم من الاجتهاد .
وعن بعض المالكية : أن مؤدب الصبيان لا يزيد على ثلاثة . فإن زاد اقتص منه ، وهذا تحديد يبعد إقامة الدليل المتين عليه . ولعله يأخذه من أن الثلاث : اعتبرت في مواضع
وهو أول حد الكثرة ، وفي ذلك ضعف .
والذي ذكره المصنف - من أن أبا بردة هو هانئ بن نيار - مختلف فيه ، فقد قيل : إنه رجل من الأنصار .