369 - الحديث الثاني : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر ، وقال : إن النذر لا يأتي بخير . وإنما يستخرج به من البخيل } .
مذهب المالكية : العمل بظاهر الحديث ، وهو أن نذر الطاعة مكروه ، وإن كان لازما ، إلا أن سياق بعض الأحاديث : يقتضي أحد أقسام النذر التي ذكرناها وهو ما يقصد به تحصيل غرض ، أو دفع مكروه وذلك لقوله " وإنما يستخرج به من البخيل " وفي كراهة النذر إشكال على القواعد ، فإن القاعدة : تقتضي أن وسيلة الطاعة طاعة ، ووسيلة المعصية معصية ، ويعظم قبح الوسيلة بحسب عظم المفسدة وكذلك تعظم فضيلة الوسيلة بحسب عظم المصلحة ، ولما كان النذر وسيلة إلى التزام قربة لزم على هذا أن يكون قربة ، إلا أن ظاهر إطلاق الحديث دل على خلافه ، وإذا حملناه على القسم الذي أشرنا إليه من أقسام النذر - كما دل عليه سياق الحديث - فذلك المعنى الموجود في ذلك القسم : ليس بموجود في النذر المطلق ، فإن ذلك خرج مخرج طلب العوض ، وتوقيف العبادة على تحصيل الغرض ، وليس هذا المعنى موجودا في التزام العبادة والنذر بها مطلقا ، وقد يقال : إن البخيل لا يأتي بالطاعة إلا إذا اتصفت بالوجوب فيكون النذر : هو الذي أوجب له فعل الطاعة ، لتعلق الوجوب به ولو لم يتعلق به [ ص: 651 ] الوجوب لتركه البخيل ، فيكون النذر المطلق أيضا : مما يستخرج به من البخيل ، إلا أن لفظة " البخيل " هنا قد تشعر بما يتعلق بالمال . وعلى كل تقدير : فاتباع النصوص أولى .
وقوله عليه السلام " إنما يستخرج به من البخيل " الأظهر في معناه : أن البخيل لا يعطي طاعة إلا في عوض ومقابل يحصل له ، فيكون النذر هو السبب الذي استخرج منه تلك الطاعة .
وقوله عليه السلام " لا يأتي بخير " يحتمل أن تكون " الباء " باء السببية كأنه يقول : لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر وطبعه في طلب القرب والطاعة من غير عوض يحصل له وإن كان يترتب عليه خير ، وهو فعل الطاعة التي نذرها ولكن سبب ذلك الخير : حصول غرضه .