[ ص: 32 ] الحديث الرابع والعشرون . عن أبي ذر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950855يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر لكم ذنوبكم جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم : أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . رواه مسلم .
أسأت ولم أحسن وجئتك تائبا وأنى لعبد عن مواليه مهرب يؤمل غفرانا فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب
فقوله بعد هذا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950892يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، ولو كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئا " : هو إشارة إلى أن ملكه لا يزيد بطاعة الخلق ، ولو كانوا كلهم بررة أتقياء ، قلوبهم على قلب أتقى رجل منهم ، ولا ينقص ملكه بمعصية العاصين ، ولو كان الجن والإنس كلهم عصاة فجرة قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم ، فإنه سبحانه الغني بذاته عمن سواه ، وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله ، فملكه ملك كامل لا نقص فيه بوجه [ ص: 47 ] من الوجوه على أي وجه كان . ومن الناس من قال : إن إيجاده لخلقه على هذا الوجه الموجود أكمل من إيجاده على غيره ، وهو خير من وجوده على غيره ، وما فيه من الشر فهو شر إضافي نسبي بالنسبة إلى بعض الأشياء دون بعض ، وليس شرا مطلقا بحيث يكون عدمه خيرا من وجوده من كل وجه ، بل وجوده خير من عدمه ، وقال : وهذا معنى قوله : " بيده الخير " ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950893والشر ليس إليك " يعني : أن الشر المحض الذي عدمه خير من وجوده ليس موجودا في ملكك ، فإن الله تعالى أوجد خلقه على ما تقتضيه حكمته وعدله ، وخص قوما من خلقه بالفضل ، وترك آخرين منهم في العدل ، لما له في ذلك من الحكمة البالغة . وهذا فيه نظر ، وهو يخالف ما في هذا الحديث من أن جميع الخلق لو كانوا على صفة أكمل خلقه من البر والتقوى ، لم يزد ذلك في ملكه شيئا ، ولا قدر جناح بعوضة ، ولو كانوا على صفة أنقص خلقه من الفجور ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا ، فدل على أن ملكه كامل على أي وجه كان لا يزداد ولا يكمل بالطاعات ولا ينقص بالمعاصي ، ولا يؤثر فيه شيء . وفي هذا الكلام دليل على أن الأصل في التقوى والفجور هو القلب ، فإذا بر القلب واتقى برت الجوارح ، وإذا فجر القلب ، فجرت الجوارح ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950894التقوى هاهنا " وأشار إلى صدره .
قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950895يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل إنسان مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " المراد بهذا ذكر كمال قدرته سبحانه ، وكمال [ ص: 48 ] ملكه ، وأن ملكه وخزائنه لا تنفد ، ولا تنقص بالعطاء ، ولو أعطى الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد ، وفي ذلك حث للخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950896يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يمينه . وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950897إذا دعا أحدكم ، فلا يقل : اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزم المسألة ، وليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء . وقال nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري : إذا دعوتم الله ، فارفعوا في المسألة ، فإن ما عنده لا ينفده شيء ، وإذا دعوتم فاعزموا ، فإن الله لا مستكره له . وفي بعض الآثار الإسرائيلية : يقول الله عز وجل : أيؤمل غيري للشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ؟ ويرجى غيري ، ويطرق بابه بالبكرات ، وبيدي مفاتيح الخزائن ، وبابي مفتوح لمن دعاني ؟ من ذا الذي أملني لنائبة فقطعت به ؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم ، فقطعت رجاءه ؟ أو من ذا الذي طرق بابي ، فلم أفتحه له ؟ أنا غاية الآمال ، فكيف تنقطع الآمال دوني ؟ أبخيل أنا فيبخلني عبدي ؟ أليس الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي ؟ فما يمنع المؤملين أن يؤملوني ؟ لو جمعت أهل السماوات والأرض ، ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع ، وبلغت كل واحد أمله ، لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة ، كيف ينقص ملك أنا قيمه ؟ فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني وتوثب على محارمي . [ ص: 49 ] وقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950898لم ينقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر " تحقيق لأن ما عنده لا ينقص البتة ، كما قال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] ، فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ، ثم أخرجت لم ينقص من البحر بذلك شيء ، وكذلك لو فرض أنه شرب منه عصفور مثلا ، فإنه لا ينقص البحر البتة ، ولهذا ضرب الخضر لموسى عليهما السلام هذا المثل في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل ، وهذا لأن البحر لا يزال تمده مياه الدنيا وأنهارها الجارية ، فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء ، لأنه يمده ما هو أزيد مما أخذ منه ، وهكذا طعام الجنة وما فيها ، فإنه لا ينفد ، كما قال تعالى : وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة [ الواقعة : 32 - 33 ] ، وقد جاء : " أنه كلما نزعت ثمرة ، عاد مكانها مثلها " وروي " مثلاها " ، فهي لا تنقص أبدا ويشهد لذلك nindex.php?page=hadith&LINKID=950899قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الكسوف : " وأريت الجنة ، فتناولت منها عنقودا ، ولو أخذته ، لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " خرجاه في " الصحيحين " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث جابر ، ولفظه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950900ولو أتيتكم [ ص: 50 ] به لأكل منه من بين السماء والأرض ، لا ينقصونه شيئا " . وهكذا لحم الطير الذي يأكله أهل الجنة يستخلف ويعود كما كان حيا لا ينقص منه شيء ، وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه فيها ضعف ، وقاله كعب . وروي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة الباهلي من قوله ، قال أبو أمامة : وكذلك الشراب يشرب منه حتى ينتهي نفسه ، ثم يعود مكانه . ورئي بعض العلماء الصالحين بعد موته بمدة في المنام فقال : ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ ، أما علمتم أن طعام الجنة لا ينفد ؟ . وقد بين في الحديث الذي خرجه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه السبب الذي لأجله لا ينقص ما عند الله بالعطاء بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950901ذلك بأني جواد واجد ماجد ، أفعل ما أريد ، عطائي كلام ، وعذابي كلام ، إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له : كن فيكون " وهذا مثل قوله عز وجل : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ يس : 82 ] ، وقوله تعالى : إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ النحل : 40 ] . [ ص: 51 ] وفي " مسند البزار " بإسناد فيه نظر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئا ، قال له : كن ، فكان " فهو سبحانه إذا أراد شيئا من عطاء أو عذاب أو غير ذلك ، قال له : كن ، فكان ، فكيف يتصور أن ينقص هذا ؟ وكذلك إذا أراد أن يخلق شيئا ، قال له : كن فيكون ، كما قال : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ آل عمران : 59 ] . وفي بعض الآثار الإسرائيلية : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام : يا موسى ، لا تخافن غيري ما دام لي السلطان ، وسلطاني دائم لا ينقطع ، يا موسى ، لا تهتمن برزقي أبدا ما دامت خزائني مملوءة ، وخزائني مملوءة لا تفنى أبدا ، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتني أنيسا لك ، ومتى طلبتني وجدتني ، يا موسى ، لا تأمن مكري ما لم تجز الصراط إلى الجنة . وقال بعضهم :
لا تخضعن لمخلوق على طمع فإن ذاك مضر منك بالدين واسترزق الله مما في خزائنه فإنما هي بين الكاف والنون