هذا الحديث خرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن أبي سعيد ومن رواية إسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد وعنده في حديث طارق قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل ، فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ثم روى هذا الحديث .
وخرج الإسماعيلي من حديث أبي هارون العبدي - وهو ضعيف جدا - عن مولى لعمر ، عن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : توشك هذه الأمة أن تهلك إلا ثلاثة نفر : رجل أنكر بيده وبلسانه وبقلبه ، فإن جبن بيده ، فبلسانه وقلبه ، فإن جبن بلسانه وبيده فبقلبه .
وخرج أيضا من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن عمير بن هانئ ، عن علي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : سيكون بعدي فتن لا يستطيع المؤمن فيها أن يغير بيد ولا بلسان ، قلت : يا رسول الله ، وكيف ذاك ؟ قال : ينكرونه بقلوبهم ، قلت : يا رسول الله ، وهل ينقص ذلك إيمانهم شيئا ؟ قال : لا ، إلا كما ينقص القطر من الصفا ، وهذا الإسناد منقطع . وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني معناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف .
[ ص: 245 ] فدلت هذه الأحاديث كلها على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة عليه ، وأما إنكاره بالقلب لا بد منه ، فمن لم ينكر قلبه المنكر ، دل على ذهاب الإيمان من قلبه .
وقد روى عن أبي جحيفة ، قال : قال علي : إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ، ثم الجهاد بألسنتكم ، ثم الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه المعروف ، وينكر قلبه المنكر ، نكس فجعل أعلاه أسفله .
وسمع nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رجلا يقول : هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر ، يشير إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد فمن لم يعرفه هلك .
[ ص: 248 ] فهذان الحديثان محمولان على أن يكون المانع له من الإنكار مجرد الهيبة ، دون الخوف المسقط للإنكار .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : قلت nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر ؟ قال : إن خفت أن يقتلك ، فلا ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، ثم عدت ، فقال لي مثل ذلك ، وقال : إن كنت لا بد فاعلا ، ففيما بينك وبينه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : أتى رجل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال : ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه ؟ قال : لا تكن له فتنة ، قال : أفرأيت إن أمرني بمعصية الله ؟ قال : ذلك الذي تريد ، فكن حينئذ رجلا . وقد ذكرنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الذي فيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=951234يخلف من بعدهم خلوف ، فمن جاهدهم بيده ، فهو مؤمن الحديث ، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد . وقد استنكر nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود ، وقال : هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة . وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال . وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح ، فقال : التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح ، وحينئذ فجهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ، مثل [ ص: 249 ] أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم ، ونحو ذلك ، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك ، وكل هذا جائز ، وليس هو من باب قتالهم ، ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه ، فإن هذا أكثر ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده .
وأما الخروج عليهم بالسيف ، فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين . نعم ، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذي أهله أو جيرانه ، لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ ، لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره ، كذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض وغيره ، ومع هذا ، فمتى خاف منهم على نفسه السيف ، أو السوط ، أو الحبس ، أو القيد ، أو النفي ، أو أخذ المال ، أو نحو ذلك من الأذى ، سقط أمرهم ونهيهم ، وقد نص الأئمة على ذلك ، منهم مالك وأحمد وإسحاق وغيرهم .
قال أحمد : لا يتعرض للسلطان ، فإن سيفه مسلول .
وقال ابن شبرمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالجهاد ، يجب على الواحد أن يصابر فيه الاثنين ، ويحرم عليه الفرار منهما ، ولا يجب عليه مصابرة أكثر من ذلك .
فإن خاف السب ، أو سماع الكلام السيئ ، لم يسقط عنه الإنكار بذلك نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وإن احتمل الأذى ، وقوي عليه ، فهو أفضل ، نص عليه أحمد أيضا ، وقيل له : أليس قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951235ليس للمؤمن أن يذل نفسه أن يعرضها من البلاء ما لا طاقة له به ، قال : ليس هذا من ذلك .
وأما حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951238لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، فإنما يدل على أنه إذا علم أنه لا يطيق الأذى ولا يصبر عليه ، فإنه لا يتعرض حينئذ للآمر ، وهذا حق ، وإنما الكلام فيمن علم من نفسه الصبر ، كذلك قاله الأئمة ، كسفيان وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض وغيرهم .
وقد روي عن أحمد ما يدل على الاكتفاء بالإنكار بالقلب ، قال في رواية أبي داود : نحن نرجو إن أنكر بقلبه ، فقد سلم ، وإن أنكر بيده فهو أفضل ، وهذا محمول على أنه يخاف كما صرح بذلك في رواية غير واحد . وقد حكى nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى روايتين عن أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه ، وصح القول بوجوبه ، وهذا قول أكثر العلماء . وقد قيل لبعض السلف في هذا ، فقال : يكون لك معذرة ، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم : أتعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون [ الأعراف : 164 ] ، [ ص: 252 ] وقد ورد ما يستدل به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول والانتفاع به ، ففي " سنن أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=951239عن nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة الخشني أنه قيل له : كيف تقول في هذه الآية : عليكم أنفسكم [ المائدة : 105 ] ، فقال : أما والله لقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بل ائتمروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العوام .
وكذلك روي عن طائفة من الصحابة في قوله تعالى : عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم [ المائدة : 105 ] ، قالوا : لم يأت تأويلها بعد ، إنما تأويلها في آخر الزمان .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إذا اختلفت القلوب والأهواء ، وألبستم شيعا ، وذاق بعضكم بأس بعض ، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه ، حينئذ تأويل هذه الآية .
[ ص: 253 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : قال : هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا ، إن قالوا لم يقبل منهم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15622جبير بن نفير عن جماعة من الصحابة ، قالوا : إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، فعليك حينئذ بنفسك ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وعن مكحول ، قال : لم يأت تأويلها بعد ، إذا هاب الواعظ ، وأنكر الموعوظ ، فعليك حينئذ بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت .
وعن الحسن : أنه كان إذا تلا هذه الآية ، قال : يا لها من ثقة ما أوثقها ! ومن سعة ما أوسعها ! .
وهذا كله قد يحمل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف ، أو خاف الضرر ، سقط عنه ، وكلام nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يدل على أن من علم أنه لا يقبل منه ، لم يجب عليه ، كما حكي رواية عن أحمد ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : مر من ترى أن يقبل منك .
وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951243من رأى منكم منكرا يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية ، فلو كان مستورا فلم يره ، ولكن علم به ، فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يعرض له ، وأنه لا يفتش عما استراب به ، وعنه رواية أخرى أنه يكشف المغطى إذا تحققه ، ولو سمع صوت غناء محرم أو آلات الملاهي ، وعلم المكان التي هي فيه ، فإنه ينكرها ، لأنه قد تحقق المنكر ، وعلم موضعه ، فهو كما رآه ، ونص عليه أحمد ، وقال : إذا لم يعلم مكانه ، فلا شيء عليه .
وأما تسور الجدران على من علم اجتماعهم على منكر ، فقد أنكره الأئمة مثل nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وغيره ، وهو داخل في التجسس المنهي عنه ، وقد قيل nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود : إن فلانا تقطر لحيته خمرا ، فقال : نهانا الله عن التجسس .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى في كتاب " الأحكام السلطانية " : إن كان في المنكر الذي غلب على ظنه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنا والقتل ، فله التجسس والإقدام على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم ، وإن كان دون ذلك في الرتبة ، لم يجز التجسس عليه ، ولا الكشف عنه .
والمنكر الذي يجب إنكاره : ما كان مجمعا عليه ، فأما المختلف فيه ، فمن أصحابنا من قال : لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدا فيه ، أو مقلدا لمجتهد تقليدا سائغا .
واستثنى القاضي في " الأحكام السلطانية " ما ضعف فيه الخلاف وكان [ ص: 255 ] ذريعة إلى محظور متفق عليه ، كربا النقد الخلاف فيه ضعيف ، وهو ذريعة إلى ربا النساء المتفق على تحريمه ، وكنكاح المتعة ، فإنه ذريعة إلى الزنا . وذكر عن إسحاق بن شاقلا أنه ذكر أن المتعة هي الزنا صراحا .
عن nindex.php?page=showalam&ids=12998ابن بطة قال : لا يفسخ نكاح حكم به قاض إن كان قد تأول فيه تأويلا ، إلا أن يكون قضى لرجل بعقد متعة ، أو طلق ثلاثا في لفظ واحد ، وحكم بالمراجعة من غير زوج ، فحكمه مردود ، وعلى فاعله العقوبة والنكال .
والمنصوص عن أحمد الإنكار على اللاعب بالشطرنج ، وتأوله القاضي على من لعب بها بغير اجتهاد ، أو تقليد سائغ ، وفيه نظر ، فإن المنصوص عنه أنه يحد شارب النبيذ المختلف فيه ، وإقامة الحد أبلغ مراتب الإنكار ، مع أنه لا يفسق بذلك عنده ، فدل على أنه ينكر كل مختلف فيه ضعف الخلاف فيه ، لدلالة السنة على تحريمه ، ولا يخرج فاعله المتأول من العدالة بذلك ، والله أعلم . وكذلك نص أحمد على الإنكار على من لا يتم صلاته ولا يقيم صلبه من الركوع والسجود ، مع وجود الاختلاف في وجوب ذلك .
واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تارة يحمل عليه رجاء ثوابه ، وتارة خوف العقاب في تركه ، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه ، وتارة النصيحة للمؤمنين ، والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة ، وتارة يحمل عليه إجلال الله وإعظامه ومحبته ، وأنه أهل أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، وأنه يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال ، كما قال بعض السلف : وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله ، وأن لحمي قرض بالمقاريض . وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - رحمهما الله - يقول لأبيه : وددت أني غلت بي وبك القدور في الله عز وجل .
وبكل حال يتعين الرفق في الإنكار ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث : رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى .
وقال أحمد : الناس محتاجون إلى مداراة ورفق الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلا معلنا بالفسق ، فلا حرمة له ، قال : وكان أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون ، يقولون مهلا رحمكم الله ، مهلا رحمكم الله .
وقال أحمد : يأمر بالرفق والخضوع ، فإن أسمعوه ما يكره ، لا يغضب ، فيكون يريد ينتصر لنفسه .