هذا الحديث خرجه مسلم من رواية أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وأبو سعيد هذا لا يعرف اسمه ، وقد روى عنه غير واحد ، وذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في " ثقاته " وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : هو مجهول .
ويروى معناه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق مرفوعا وموقوفا .
[ ص: 260 ] فقوله صلى الله عليه وسلم : لا تحاسدوا يعني : لا يحسد بعضكم بعضا ، والحسد مركوز في طباع البشر ، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل .
ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام ، فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل ، ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه ، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه ، وهو شرهما وأخبثهما ، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه ، وهو كان ذنب إبليس حيث كان حسد آدم عليه السلام لما رآه قد فاق على الملائكة بأن خلقه الله بيده ، وأسجد له ملائكته ، وعلمه أسماء كل شيء ، وأسكنه في جواره ، فما زال يسعى في إخراجه من الجنة حتى أخرج منها ، ويروى عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن إبليس قال لنوح : اثنتان بهما أهلك بني آدم : الحسد ، وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما ، والحرص [ وبالحرص ] أبيح آدم الجنة كلها ، فأصبت حاجتي منه بالحرص . خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا .
وخرج الحاكم وغيره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : سيصيب أمتي داء الأمم ، قالوا : يا نبي الله ، وما داء الأمم ؟ قال : الأشر والبطر ، والتكاثر والتنافس في الدنيا ، والتباغض ، والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج .
[ ص: 262 ] وقسم آخر من الناس إذا حسد غيره ، لم يعمل بمقتضى حسده ، ولم يبغ على المحسود بقول ولا بفعل . وقد روي عن الحسن أنه لا يأثم بذلك ، وروي مرفوعا من وجوه ضعيفة ، وهذا على نوعين : أحدهما : أن لا يمكنه إزالة ذلك الحسد من نفسه ، فيكون مغلوبا على ذلك ، فلا يأثم به .
والثاني : من يحدث نفسه بذلك اختيارا ، ويعيده ويبديه في نفسه مستروحا إلى تمني زوال نعمة أخيه ، فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية ، وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء ، وربما يذكر في موضع آخر إن شاء الله تعالى ، لكن هذا يبعد أن يسلم من البغي على المحسود ، ولو بالقول ، فيأثم بذلك .
[ ص: 263 ] وقسم آخر إذا وجد في نفسه الحسد ، سعى في إزالته ، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداء الإحسان إليه ، والدعاء له ، ونشر فضائله ، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبة أن يكون أخوه المسلم خيرا منه وأفضل ، وهذا من أعلى درجات الإيمان ، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=950140لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ولا تناجشوا : فسره كثير من العلماء بالنجش في البيع ، وهو : أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ، إما لنفع البائع لزيادة الثمن له ، أو بإضرار المشتري بتكثير الثمن عليه ، وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه nindex.php?page=hadith&LINKID=951256نهى عن النجش .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=51ابن أبي أوفى : الناجش : آكل ربا خائن ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : أجمعوا على أن فاعله عاص لله عز وجل إذا كان بالنهي عالما .
واختلفوا في البيع ، فمنهم من قال : إنه فاسد ، وهو رواية عن أحمد ، اختارها طائفة من أصحابه ، ومنهم من قال : إن كان الناجش هو البائع أو من واطأه البائع على النجش فسد ، لأن النهي هنا يعود إلى العاقد نفسه ، وإن لم يكن كذلك لم يفسد ، لأنه يعود إلى أجنبي . وكذا حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه علل [ ص: 264 ] صحة البيع بأن البائع غير الناجش ، وأكثر الفقهاء على أن البيع صحيح مطلقا وهو قول أبي حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأحمد في رواية عنه ، إلا أن مالكا وأحمد أثبتا للمشتري الخيار إذا لم يعلم بالحال ، وغبن غبنا فاحشا يخرج عن العادة ، وقدره مالك وبعض أصحاب أحمد بثلث الثمن ، فإن اختار المشتري حينئذ الفسخ ، فله ذلك ، وإن أراد الإمساك ، فإنه يحط ما غبن به من الثمن ، ذكره أصحابنا .
فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه ، كتدليس العيوب ، وكتمانها ، وغش المبيع الجيد بالرديء ، وغبن المسترسل الذي لا يعرف المماكسة ، وقد وصف الله في كتابه الكفار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم وما أحسن قول nindex.php?page=showalam&ids=11876أبي العتاهية :
[ ص: 265 ]
ليس دنيا إلا بدين وليـ س الدين إلا مكارم الأخلاق إنما المكر والخديعة في النا ر هما من خصال أهل النفاق
وأما البغض في الله ، فهو من أوثق عرى الإيمان ، وليس داخلا في النهي ، ولو ظهر لرجل من أخيه شر ، فأبغضه عليه ، وكان الرجل معذورا فيه في نفس [ ص: 267 ] الأمر ، أثيب المبغض له ، وإن عذر أخوه ، كما قال عمر : " إنا كنا نعرفكم إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، وإذ ينزل الوحي ، وإذ ينبئنا الله من أخباركم ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق به ، وانقطع الوحي ، وإنما نعرفكم بما نخبركم ، ألا من أظهر منكم لنا خيرا ظننا به خيرا ، وأحببناه عليه ، ومن أظهر منكم شرا ظننا به شرا وأبغضناه عليه ، سرائركم بينكم وبين ربكم عز وجل " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خثيم : لو رأيت رجلا يظهر خيرا ، ويسر شرا ، أحببته عليه ، آجرك الله على حبك الخير ، ولو رأيت رجلا يظهر شرا ، ويسر خيرا بغضته عليه ، آجرك الله على بغضك الشر .
ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين ، وكثر تفرقهم ، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم ، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله ، وقد يكون في نفس الأمر معذورا ، وقد لا يكون معذورا ، بل يكون متبعا لهواه ، مقصرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه ، فإن كثيرا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق ، وهذا الظن خطأ قطعا ، وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه ، فهذا الظن قد يخطئ ويصيب ، وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى ، والإلف ، أو العادة ، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله ، فالواجب على المؤمن أن ينصح نفسه ، ويتحرز في هذا غاية التحرز ، وما أشكل منه ، فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهي عنه من البغض المحرم .
وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له ، وهو أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول [ ص: 268 ] قولا مرجوحا ، ويكون مجتهدا فيه ، مأجورا على اجتهاده فيه ، موضوعا عنه خطؤه فيه ، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث إنه لو قاله غيره من أئمة الدين ، لما قبله ، ولا انتصر له ، ولا والى من وافقه ، ولا عادى من خالفه ، وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه ، وليس كذلك ، فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق ، وإن أخطأ في اجتهاده ، وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه ، وظهور كلمته ، وأنه لا ينسب إلى الخطأ ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق ، فافهم هذا ، فإنه فهم عظيم ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخر من الرد عليه ، فأما مع الرد إذا كان بينهما قبل الهجر مودة ، ولم يعودوا إليها ، ففيه نظر . وقد قال أحمد في رواية الأثرم ، وسئل عن السلام : يقطع الهجران ؟ فقال : قد يسلم عليه وقد صد عنه ، ثم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=951269يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا ، فإذا كان قد عوده [ ص: 270 ] أي أن يكلمه أو يصافحه . وكذلك روي عن مالك أنه قال لا تنقطع الهجرة بدون العودة إلى المودة .
وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب ، فقال في الأجانب : يزول الهجرة بينهم بمجرد السلام ، بخلاف الأقارب ، وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم .
وهذا يدل على أن هذا حق للمسلم على المسلم ، فلا يساويه الكافر في ذلك ، بل يجوز للمسلم أن يبتاع على بيع الكافر ، ويخطب على خطبته ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وأحمد ، كما لا يثبت للكافر على المسلم حق الشفعة عنده ، وكثير من الفقهاء ذهبوا إلى أن النهي عام في حق المسلم والكافر .
[ ص: 271 ] واختلفوا : هل النهي للتحريم أو التنزيه ، فمن أصحابنا من قال : هو للتنزيه دون التحريم ، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء : أنه للتحريم .
واختلفوا : هل يصح البيع على بيع أخيه ، والنكاح على خطبته ؟ فقال أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأكثر أصحابنا : يصح ، وقال مالك في النكاح : إنه إن لم يدخل بها ، فرق بينهما ، وإن دخل بها لا يفرق . وقال أبو بكر من أصحابنا في البيع والنكاح : إنه باطل بكل حال ، وحكاه عن أحمد .
ومعنى البيع على بيع أخيه : أن يكون قد باع منه شيئا ، فيبذل للمشتري سلعته ليشتريها ، ويفسخ بيع الأول . وهل يختص ذلك بما إذا كان البذل في مدة الخيار ، بحيث يتمكن المشتري من الفسخ فيه ، أم هو عام في مدة الخيار وبعدها ؟ فيه اختلاف بين العلماء ، وقد حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في رواية حرب ، ومال إلى القول بأنه عام في الحالين ، وهو قول طائفة من أصحابنا . ومنهم من خصه بما إذا كان في مدة الخيار ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن مشيش ومنصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والأول أظهر ، لأن المشتري وإن لم يتمكن من الفسخ بنفسه بعد انقضاء مدة الخيار فإنه إذا رغب في رد السلعة الأولى على بائعها ، فإنه يتسبب إلى ردها عليه بأنواع من الطرق المقتضية لضرره ، ولو بإلحاح عليه في المسألة ، وما أدى إلى ضرر المسلم ، كان محرما والله أعلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951275وكونوا عباد الله إخوانا : هذا ذكره النبي صلى الله عليه وسلم كالتعليل لما تقدم ، وفيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التحاسد ، والتناجش ، والتباغض ، والتدابر ، وبيع بعضهم على بعض ، كانوا إخوانا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى : إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة [ الواقعة : 1 - 3 ] ، قال : تخفض رجالا كانوا في الدنيا مرتفعين ، وترفع رجالا كانوا في الدنيا مخفوضين .
وفي " صحيح مسلم " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951300من قال : هلك الناس ، فهو أهلكهم قال مالك : إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس ، يعني في دينهم فلا أرى به بأسا ، وإذا قال ذلك عجبا بنفسه ، وتصاغرا للناس ، فهو المكروه الذي نهي عنه . ذكره أبو داود في " سننه " .
وفي رواية قال : المؤمن حرام على المؤمن ، كحرمة هذا اليوم لحمه عليه حرام أن يأكله ويغتابه بالغيب ، وعرضه عليه حرام أن يخرقه ، ووجهه عليه حرام أن يلطمه ، ودمه عليه حرام أن يسفكه ، وحرام عليه أن يدفعه دفعة تعنته .
قال رجل nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز : اجعل كبير المسلمين عندك أبا ، وصغيرهم ابنا ، وأوسطهم أخا ، فأي أولئك تحب أن تسيء إليه ؟ ومن كلام nindex.php?page=showalam&ids=17335يحيى بن معاذ الرازي : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة : إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه ، وإن لم تمدحه فلا تذمه .