وخرجه مسلم ، ولفظه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951592بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ إلى اليمن ، فقلت : يا رسول الله ، إن شرابا يصنع بأرضنا يقال له : المزر من الشعير ، وشراب يقال له : البتع من العسل ، فقال : كل مسكر حرام . وفي رواية لمسلم : فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951593كل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام ، وفي رواية له قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951594أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة . فهذا الحديث أصل في تحريم تناول جميع المسكرات ، المغطية للعقل ، وقد ذكر الله في كتابه العلة المقتضية لتحريم المسكرات ، وكان أول ما حرمت الخمر عند حضور وقت الصلاة لما صلى بعض المهاجرين وقرأ في صلاته ، فخلط في قراءته ، فنزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ النساء : 43 ] ، وكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 457 ] ينادي لا يقرب الصلاة سكران ، ثم إن الله حرمها على الإطلاق بقوله تعالى : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون [ المائدة : 90 - 91 ] . فذكر سبحانه علة تحريم الخمر والميسر وهو القمار ، وهو أن الشيطان يوقع بينهم العداوة والبغضاء ، فإن من سكر اختل عقله ، فربما تسلط على أذى الناس في أنفسهم وأموالهم ، وربما بلغ إلى القتل ، وهي أم الخبائث ، فمن شربها قتل النفس وزنا ، وربما كفر . وقد روي هذا المعنى عن عثمان وغيره ، وروي مرفوعا أيضا . ومن قامر فربما قهر ، وأخذ ماله قهرا ، فلم يبق له شيء ، فيشتد حقده على من أخذ ماله . وكل ما أدى إلى إيقاع العداوة والبغضاء كان حراما ، وأخبر سبحانه أن الشيطان يصد بالخمر والميسر عن ذكر الله وعن الصلاة ، فإن السكران يزول عقله أو يختل ، فلا يستطيع أن يذكر الله ، ولا أن يصلي ، ولهذا قال طائفة من السلف : إن شارب الخمر تمر عليه ساعة لا يعرف فيها ربه ، والله سبحانه إنما خلق الخلق ليعرفوه ، ويذكروه ، ويعبدوه ، ويطيعوه ، فما أدى إلى الامتناع من ذلك ، وحال بين العبد وبين معرفة ربه وذكره ومناجاته ، كان محرما ، وهو السكر ، وهذا بخلاف النوم ، فإن الله تعالى جبل العباد عليه ، واضطرهم إليه ، ولا قوام لأبدانهم إلا به ، إذ هو راحة لهم من السعي والنصب ، فهو من [ ص: 458 ] أعظم نعم الله على عباده ، فإذا نام المؤمن بقدر الحاجة ، ثم استيقظ إلى ذكر الله ومناجاته ودعائه ، كان نومه عونا له على الصلاة والذكر ، ولهذا قال من قال من الصحابة : إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي . وكذلك الميسر يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، فإن صاحبه يعكف بقلبه عليه ، ويشتغل به عن جميع مصالحه ومهماته حتى لا يكاد يذكرها لاستغراقه فيه ، ولهذا قال علي لما مر على قوم يلعبون بالشطرنج : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ فشبههم بالعاكفين على التماثيل . وجاء في الحديث : nindex.php?page=hadith&LINKID=951595إن مدمن الخمر كعابد وثن ، فإنه يتعلق قلبه بها ، فلا يكاد يمكنه أن يدعها كما لا يدع عابد الوثن عبادته . وهذا كله مضاد لما خلق الله العباد لأجله من تفريغ قلوبهم لمعرفته ، ومحبته ، وخشيته ، وذكره ، ومناجاته ، ودعائه ، والابتهال إليه ، فما حال بين العبد وبين ذلك ، ولم يكن بالعبد إليه ضرورة ، بل كان ضررا محضا عليه ، كان محرما ، وقد روي عن علي أنه قال لمن رآهم يلعبون بالشطرنج : ما لهذا خلقتم . ومن هنا يعلم أن الميسر محرم ، سواء كان بعوض أو بغير عوض ، وإن الشطرنج كالنرد أو شر منه ، لأنها تشغل أصحابها عن ذكر الله وعن [ ص: 459 ] الصلاة أكثر من النرد . والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950019كل مسكر حرام ، وكل ما أسكر عن الصلاة فهو حرام . وقد تواترت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرجا في " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951596كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ولفظ مسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950019وكل مسكر حرام . وخرج أيضا من حديث عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=951597أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البتع ، فقال : كل شراب أسكر فهو حرام وفي رواية لمسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951598كل شراب مسكر حرام وقد صحح هذا الحديث أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين وأصحابه واحتجا به ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر إجماع أهل العلم بالحديث على صحته ، وأنه أثبت شيء يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر . وأما ما نقله بعض فقهاء الحنفية عن nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين من طعنه فيه ، فلا يثبت ذلك عنه . وخرج مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951599كل [ ص: 460 ] مسكر حرام . وإلى هذا القول ذهب جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار ، وهو مذهب مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن وغيرهم ، وهو مما اجتمع على القول به أهل المدينة كلهم . وخالف فيه طوائف من علماء أهل الكوفة ، وقالوا : إن الخمر إنما هي خمر العنب خاصة ، وما عداها ، فإنما يحرم منه القدر الذي يسكر ، ولا يحرم ما دونه ، وما زال علماء الأمصار ينكرون ذلك عليهم ، وإن كانوا في ذلك مجتهدين مغفورا لهم ، وفيهم خلق من أئمة العلم والدين . قال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : ما وجدت في النبيذ رخصة عن أحد صحيح إلا عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم ، يعني النخعي ، وكذلك أنكر nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أن يكون فيه شيء يصح ، وقد صنف كتاب " الأشربة " ولم يذكر فيه شيئا من الرخصة ، وصنف كتابا في المسح على الخفين ، وذكر فيه عن بعض السلف إنكاره ، فقيل له : كيف لم تجعل في كتاب الأشربة الرخصة كما جعلت في المسح ؟ فقال : ليس في الرخصة في السكر حديث صحيح . ومما يدل على أن كل مسكر خمر أن تحريم الخمر إنما نزل في المدينة بسبب سؤال أهل المدينة عما عندهم من الأشربة ، ولم يكن بها خمر العنب ، فلو لم [ ص: 461 ] تكن آية تحريم الخمر شاملة لما عندهم ، لما كان فيها بيان لما سألوا عنه ، ولكان محل السبب خارجا من عموم الكلام ، وهو ممتنع ، ولما نزل تحريم الخمر أراقوا ما عندهم من الأشربة ، فدل على أنهم فهموا أنه من الخمر المأمور باجتنابه . وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن أنس قال : حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا ، وعامة خمرنا البسر والتمر . وعنه أنه قال : إني لأسقي أبا طلحة ، وأبا دجانة ، nindex.php?page=showalam&ids=355وسهيل بن بيضاء خليط بسر وتمر إذ حرمت الخمر ، فقذفتها ، وأنا ساقيهم وأصغرهم ، وإنا نعدها يومئذ الخمر . وفي " الصحيحين " عنه قال : ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ . وفي " صحيح مسلم " عنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951600لقد أنزل الله الآية التي حرم فيها الخمر ، وما بالمدينة شراب يشرب إلا من تمر . وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري " عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما منها شراب العنب . وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : قام عمر على المنبر ، فقال : أما بعد ، نزل تحريم الخمر وهي من خمس : العنب ، والتمر ، والعسل [ ص: 462 ] والحنطة ، والشعير ، والخمر : ما خامر العقل . وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر الترمذي أن قول من قال : عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن عمر - أصح ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني . وروى أبو إسحاق عن أبي بردة قال : قال عمر : ما خمرته فعتقته ، فهو خمر ، وأنى كانت لنا الخمر خمر العنب . وفي " مسند " nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=15175المختار بن فلفل قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951601سألت nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك عن الشرب في الأوعية فقال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفتة وقال : كل مسكر حرام قلت له : صدقت السكر حرام ، فالشربة والشربتان على طعامنا ؟ قال : المسكر قليله وكثيره حرام وقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951602الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة ، فما خمرت من ذلك فهو الخمر ، خرجه أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=16410عبد الله بن إدريس : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=15175المختار بن فلفل يقول فذكره ، وهذا إسناد على شرط مسلم . وفي " صحيح مسلم " ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951603الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة ، وهذا صريح في أن نبيذ التمر خمر . وجاء التصريح بالنهي عن قليل ما أسكر كثيره ، كما خرجه أبو داود ، وابن [ ص: 463 ] ماجه ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وحسنه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=951604ما أسكر كثيره فقليله حرام . وخرج أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وحسنه من حديث عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950019كل مسكر حرام ، وما أسكر الفرق ، فملء الكف منه حرام ، وفي رواية nindex.php?page=hadith&LINKID=951605الحسوة منه حرام ، وقد احتج به أحمد وذهب إليه . وسئل عمن قال : إنه لا يصح ؟ فقال : هذا رجل مغل ، يعني أنه قد غلا في مقالته . وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي هذا الحديث من رواية nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة يطول ذكرها . وروى nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، حدثني أبو وهيب الجيشاني ، nindex.php?page=hadith&LINKID=951606عن وفد أهل اليمن أنهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألوه عن أشربة تكون باليمن ، قال : فسموا له البتع من العسل ، والمزر من الشعير ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هل تسكرون منها ؟ قالوا : إن أكثرنا سكرنا ، قال : فحرام قليله ما أسكر كثيره خرجه القاضي إسماعيل . وقد كانت الصحابة تحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950019كل مسكر حرام على تحريم جميع أنواع المسكرات ، ما كان موجودا منها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما حدث بعده ، كما سئل nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن الباذق ، فقال : سبق محمد الباذق ، فما أسكر ، [ ص: 464 ] فهو حرام ، خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، يشير إلى أنه إن كان مسكرا ، فقد دخل في هذه الكلمة الجامعة العامة .
واعلم أن المسكر المزيل للعقل نوعان : أحدهما : ما كان فيه لذة وطرب ، فهذا هو الخمر المحرم شربه ، وفي " المسند " nindex.php?page=hadith&LINKID=951607عن طلق الحنفي أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له رجل : يا رسول الله ، ما ترى في شراب نصنعه بأرضنا من ثمارنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : من سائل عن المسكر ؟ فلا تشربه ، ولا تسقه أخاك المسلم ، فوالذي نفسي بيده - أو بالذي يحلف به - لا يشربه رجل ابتغاء لذة سكره ، فيسقيه الله الخمر يوم القيامة . قال طائفة من العلماء : وسواء كان هذا المسكر جامدا أو مائعا ، وسواء كان مطعوما أو مشروبا ، وسواء كان من حب أو ثمر أو لبن ، أو غير ذلك ، وأدخلوا في ذلك الحشيشة التي تعمل من ورق القنب ، وغيرها مما يؤكل لأجل لذته وسكره ، وفي " سنن أبي داود " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، قالت : nindex.php?page=hadith&LINKID=951608نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر والمفتر : هو المخدر للجسد ، وإن لم ينته إلى حد الإسكار . والثاني : ما يزيل العقل ويسكر ، لا لذة فيه ولا طرب ، كالبنج ونحوه ، فقال [ ص: 465 ] أصحابنا : إن تناوله لحاجة التداوي به ، وكان الغالب منه السلامة جاز ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير لما وقعت الأكلة في رجله ، وأرادوا قطعها ، قال له الأطباء : نسقيك دواء حتى يغيب عقلك ، ولا تحس بألم القطع ، فأبى ، وقال : ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول منه عقله حتى لا يعرف ربه . وروي عنه أنه قال : لا أشرب شيئا يحول بيني وبين ذكر ربي عز وجل . وإن تناول ذلك لغير حاجة التداوي ، فقال أكثر أصحابنا كالقاضي وابن عقيل ، وصاحب " المغني " : إنه محرم ، لأنه تسبب إلى إزالة العقل لغير حاجة ، فحرم كشرب المسكر ، وروى حنش الرحبي - وفيه ضعف - عن عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا : من شرب شرابا يذهب عقله ، فقد أتى بابا من أبواب الكبائر . وقالت طائفة منهم ابن عقيل في " فنونه " : لا يحرم ذلك ؛ لأنه لا لذة فيه ، والخمر إنما حرمت لما فيها من الشدة المطربة ، ولا إطراب في البنج ونحوه ولا شدة . فعلى قول الأكثرين : لو تناول ذلك لغير حاجة ، وسكر به ، فطلق ، فحكم طلاقه حكم طلاق السكران ، قاله أكثر أصحابنا كابن حامد والقاضي ، وأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقالت الحنفية : لا يقع طلاقه ، وعللوا بأنه ليس فيه لذة ، وهذا يدل على أنهم لم يحرموه . وقالت الشافعية : هو محرم ، وفي وقوع الطلاق معه وجهان ، وظاهر كلام أحمد أنه لا يقع طلاقه بخلاف السكران ، وتأوله القاضي ، وقال : إنما قال ذلك إلزاما للحنفية ، لا اعتقادا له ، وسياق كلامه محتمل لذلك .
[ ص: 466 ] وأما الحد ، فإنما يجب بتناول ما فيه شدة وطرب من المسكرات ؛ لأنه هو الذي تدعو النفوس إليه ، فجعل الحد زاجرا عنه . فأما ما فيه سكر بغير طرب ولا لذة ، فليس فيه سوى التعزير ، لأنه ليس في النفوس داع إليه حتى يحتاج إلى حد مقدر زاجر عنه ، فهو كأكل الميتة ولحم الخنزير ، وشرب الدم . وأكثر العلماء الذين يرون تحريم قليل ما أسكر كثيره يرون حد من شرب ما يسكر كثيره ، وإن اعتقد حله متأولا ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=11956لأبي ثور ، فإنه قال : لا يحد لتأوله ، فهو كالناكح بلا ولي . وفي حد الناكح بلا ولي خلاف أيضا ، لكن الصحيح أنه لا يحد ، وقد فرق من فرق بينه وبين شرب النبيذ متأولا بأن شرب النبيذ المختلف فيه داع إلى شرب الخمر المجمع على تحريمه بخلاف النكاح بغير ولي ، فإنه مغن عن الزنا المجمع على تحريمه ، وموجب للاستعفاف عنه . والمنصوص عن أحمد أنه إنما حد شارب النبيذ متأولا ، لأن تأويله ضعيف لا يدرأ عنه الحد به ، فإنه قال في رواية الأثرم : يحد من شرب النبيذ متأولا ، ولو رفع إلى الإمام من طلق البتة ، ثم راجعها متأولا أن طلاق البتة واحدة ، والإمام يرى أنها ثلاث لا يفرق بينهما ، وقال : هذا غير ذاك ، أمره بين في كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونزل تحريم الخمر وشرابهم الفضيخ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=951610كل مسكر خمر ، فهذا بين ، وطلاق البتة إنما هو شيء اختلف الناس فيه .