هذا الحديث خرجاه من طرق عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وفي بعض ألفاظها : " فلا يؤذي جاره " وفي بعض ألفاظها : " فليحسن قرى ضيفه " وفي بعضها : " فليصل رحمه " بدل ذكر الجار .
وخرجاه أيضا بمعناه من حديث أبي شريح الخزاعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، [ ص: 333 ] وعبد الله بن عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=50وأبي أيوب الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهم من الصحابة .
فقوله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950448من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " فليفعل كذا وكذا ، يدل على أن هذه الخصال من خصال الإيمان ، وقد سبق أن الأعمال تدخل في الإيمان ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالصبر والسماحة ، قال الحسن : المراد : الصبر عن المعاصي ، والسماحة بالطاعة .
وأعمال الإيمان تارة تتعلق بحقوق الله ، كأداء الواجبات وترك المحرمات ، ومن ذلك قول الخير ، والصمت عن غيره .
فقوله صلى الله عليه وسلم : فليقل خيرا أو ليصمت أمر بقول الخير ، وبالصمت عما عداه ، وهذا يدل على أنه ليس هناك كلام يستوي قوله والصمت عنه ، بل إما [ ص: 336 ] أن يكون خيرا ، فيكون مأمورا بقوله ، وإما أن يكون غير خير ، فيكون مأمورا بالصمت عنه ، وحديث معاذ nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة يدلان على هذا .
وروي من حديث حذيفة مرفوعا : " إن عن يمينه كاتب الحسنات " .
واختلفوا : هل يكتب كل ما يتكلم به ، أو لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب ؟ على قولين مشهورين . وقال علي بن أبي طلحة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يكتب كل ما [ ص: 337 ] تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله : أكلت وشربت ذهبت وجئت ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، فذلك قوله تعالى : يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [ الرعد : 39 ] .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير ، قال : ركب رجل الحمار ، فعثر به ، فقال : تعس الحمار ، فقال صاحب اليمين : ما هي حسنة أكتبها ، وقال صاحب الشمال : ما هي سيئة فأكتبها ، فأوحى الله إلى صاحب الشمال : ما ترك صاحب اليمين من شيء ، فاكتبه ، فأثبت في السيئات " تعس الحمار " .
وظاهر هذا أن ما ليس بحسنة ، فهو سيئة ، وإن كان لا يعاقب عليها ، فإن بعض السيئات قد لا يعاقب عليها ، وقد تقع مكفرة باجتناب الكبائر ، ولكن زمانها قد خسره صاحبها حيث ذهبت باطلا ، فيحصل له بذلك حسرة في القيامة وأسف عليه ، وهو نوع عقوبة .
وقال مجاهد : ما جلس قوم مجلسا ، فتفرقوا قبل أن يذكروا الله ، إلا تفرقوا عن أنتن من ريح الجيفة ، وكان مجلسهم يشهد عليهم بغفلتهم ، وما جلس قوم مجلسا ، فذكروا الله قبل أن يتفرقوا ، إلا أن يتفرقوا عن أطيب من ريح المسك ، وكان مجلسهم يشهد لهم بذكرهم .
وقال بعض السلف : يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره ، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات .
[ ص: 339 ] فمن هنا يعلم أن ما ليس بخير من الكلام ، فالسكوت عنه أفضل من التكلم به ، اللهم إلا ما تدعو إليه الحاجة مما لابد منه . وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : إياكم وفضول الكلام ، حسب امرئ ما بلغ حاجته . وعن النخعي قال : يهلك الناس في فضول المال والكلام .
وقال عمر : من كثر كلامه ، كثر سقطه ، ومن كثر سقطه ، كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه ، كانت النار أولى به وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14798العقيلي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر [ ص: 340 ] مرفوعا بإسناد ضعيف .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان : إنما الكلام أربعة : أن تذكر الله ، وتقرأ القرآن ، وتسأل عن علم فتخبر به ، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك .
وقال رجل لسلمان : أوصني ، قال : لا تكلم ، قال : ما يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم ، قال : فإن تكلمت ، فتكلم بحق أو اسكت .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأخذ بلسانه ويقول : هذا أوردني الموارد .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : والله الذي لا إله إلا هو ، ما على الأرض أحق بطول سجن من اللسان وقال وهب بن منبه : أجمعت الحكماء على أن رأس الحكم الصمت .
وقال شميط بن عجلان : يا ابن آدم ، إنك ما سكت ، فأنت سالم ، فإذا تكلمت ، فخذ حذرك ، إما لك وإما عليك وهذا باب يطول استقصاؤه .
فليس الكلام مأمورا به على الإطلاق ، ولا السكوت كذلك ، بل لابد من الكلام بالخير والسكوت عن الشر ، وكان السلف كثيرا يمدحون الصمت عن الشر ، وعما لا يعني لشدته على النفس ، وذلك يقع فيه الناس كثيرا ، فكانوا يعالجون أنفسهم ، ويجاهدونها على السكوت عما لا يعنيهم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان ، ولو أصبحت يهمك لسانك ، أصبحت في غم شديد ، وقال : سجن اللسان سجن المؤمن ، ولو أصبحت يهمك لسانك ، أصبحت في غم شديد .
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن قول لقمان لابنه : إن كان الكلام من فضة ، فإن الصمت من ذهب ، فقال : معناه : لو كان الكلام بطاعة الله من فضة ، فإن الصمت عن معصية الله من ذهب . وهذا يرجع إلى أن الكف عن المعاصي أفضل من عمل الطاعات ، وقد سبق القول في هذا مستوفى .
وتذاكروا عند nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، أيهما أفضل الصمت أو النطق ؟ فقال قوم : الصمت أفضل ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف : النطق أفضل ، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه ، والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه .
وقال رجل من العلماء عند nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رحمه الله : الصامت على علم كالمتكلم على علم ، فقال عمر : إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم [ ص: 342 ] أفضلهما يوم القيامة حالا ، وذلك أن منفعته للناس ، وهذا صمته لنفسه ، فقال له : يا أمير المؤمنين وكيف بفتنة النطق ؟ فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا .
ولقد خطب nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يوما فرق الناس ، وبكوا ، فقطع خطبته ، فقيل له : لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به ، فقال عمر : إن القول فتنة والفعل أولى بالمؤمن من القول .
وكنت من مدة طويلة قد رأيت في المنام أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وسمعته يتكلم في هذه المسألة ، وأظن أني فاوضته فيها وفهمت من كلامه أن التكلم بالخير أفضل من السكوت ، وأظن أنه وقع في أثناء الكلام ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك ، وأن عمر قال ذلك له ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك أنه قال : الصمت منام العقل ، والنطق يقظته ، ولا يتم حال إلا بحال ، يعني : لابد من الصمت والكلام .
وما أحسن ما قال nindex.php?page=showalam&ids=16519عبيد الله بن أبي جعفر فقيه أهل مصر في وقته ، وكان أحد الحكماء : إذا كان المرء يحدث في مجلس ، فأعجبه الحديث فليسكت ، وإن كان ساكتا ، فأعجبه السكوت ، فليحدث ، وهذا حسن فإن من كان كذلك ، كان سكوته وحديثه لمخالفة هواه وإعجابه بنفسه ، ومن كان كذلك ، كان جديرا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته ، لأن كلامه وسكوته يكون لله عز وجل .
وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " علامة الطهر أن يكون قلب العبد عندي معلقا ، فإذا كان كذلك ، لم ينسني على حال ، وإذ كان كذلك ، مننت عليه بالاشتغال بي كي لا ينساني ، فإذا نسيني ، حركت قلبه ، فإن تكلم تكلم لي ، وإن سكت ، سكت لي ، فذلك الذي تأتيه المعونة من عندي " خرجه إبراهيم بن الجنيد .
[ ص: 343 ] وبكل حال ، فالتزام الصمت مطلقا ، واعتقاده قربة إما مطلقا ، أو في بعض العبادات ، كالحج والاعتكاف والصيام منهي عنه وروي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام الصمت . وخرج الإسماعيلي من حديث علي قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصمت في العكوف ، وفي " سنن أبي داود " من حديث علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950471لا صمات يوم إلى الليل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه لامرأة حجت مصمتة : إن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16600علي بن الحسين زين العابدين أنه قال : صوم الصمت حرام .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، قالت : دخلت شاة لجارة لنا ، فأخذت قرصة لنا ، فقمت إليها فأجتذبتها من بين لحييها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لا قليل من أذى الجار .
فأما إكرام الجار والإحسان إليه ، فمأمور به ، وقد قال الله عز وجل واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى [ ص: 346 ] والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا [ النساء : 36 ] ، فجمع الله تعالى في هذه الآية بين ذكر حقه على العبد وحقوق العباد على العباد أيضا ، وجعل العباد الذين أمر بالإحسان إليهم خمسة أنواع : أحدها : من بينه وبين الإنسان قرابة ، وخص منهم الوالدين بالذكر ؛ لامتيازهما عن سائر الأقارب بما لا يشركونهما فيه ، فإنهما كانا السبب في وجود الولد ولهما حق التربية والتأديب وغير ذلك .
الثاني : من هو ضعيف محتاج إلى الإحسان وهو نوعان : من هو محتاج لضعف بدنه ، وهو اليتيم ، ومن هو محتاج لقلة ماله ، وهو المسكين .
والثالث : من له حق القرب والمخالطة ، وجعلهم ثلاثة أنواع : جار ذو قربى ، وجار جنب ، وصاحب بالجنب .
وقد اختلف المفسرون في تأويل ذلك ، فمنهم من قال : الجار ذو القربى : الجار الذي له قرابة ، والجار الجنب : الأجنبي ، ومنهم من أدخل المرأة في الجار ذي القربى ، ومنهم من أدخلها في الجار الجنب ، ومنهم من أدخل الرفيق في السفر في الجار الجنب ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : nindex.php?page=hadith&LINKID=950481أعوذ بك من جار السوء في دار الإقامة ، فإن جار البادية يتحول .
ومنهم من قال : الجار ذو القربى : الجار المسلم ، والجار الجنب : الكافر ، وفي " مسند البزار " من حديث جابر مرفوعا : " الجيران ثلاثة : جار له حق واحد ، وهو أدنى الجيران حقا ، وجار له حقان ، وجار له ثلاثة حقوق ، وهو أفضل الجيران حقا ، فأما الذي له حق واحد ، فجار مشرك ، لا رحم له ، له حق الجوار ، وأما [ ص: 347 ] الذي له حقان ، فجار مسلم ، له حق الإسلام وحق الجوار ، وأما الذي له ثلاثة حقوق ، فجار مسلم ذو رحم ، فله حق الإسلام ، وحق الجوار ، وحق الرحم " ، وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى متصلة ومرسلة ، ولا تخلو كلها من مقال .
وقيل : الجار ذو القربى : هو القريب الجوار الملاصق ، والجار الجنب : البعيد الجوار .
وقال طائفة من السلف : حد الجوار أربعون دارا ، وقيل : مستدار أربعين دارا من كل جانب .
وفي مراسيل nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جارا له ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن ينادي : " ألا إن أربعين دارا جار " وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، وأربعون هكذا ، يعني ما بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله .
[ ص: 348 ] وسئل nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عمن يطبخ قدرا وهو في دار السبيل ، ومعه في الدار نحو ثلاثين أو أربعين نفسا : يعني أنهم سكان معه في الدار ، فقال : يبدأ بنفسه ، وبمن يعول ، فإن فضل فضل ، أعطي الأقرب إليه ، وكيف يمكنه أن يعطيهم كلهم ؟ قيل له : لعل الذي هو جاره يتهاون بذلك القدر ليس له عنده موقع ؟ فرأى أنه لا يبعث إليه .
وأما الصاحب بالجنب ، ففسره طائفة بالزوجة ، وفسره طائفة منهم nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بالرفيق في السفر ، ولم يريدوا إخراج الصاحب الملازم في الحضر وإنما أرادوا أن صحبة السفر تكفي ، فالصحبة الدائمة في الحضر أولى ، ولهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : هو الرفيق الصالح ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : هو جليسك في الحضر ، ورفيقك في السفر ، وقال ابن زيد : هو الرجل يعتريك ويلم بك لتنفعه .
الرابع : من هو وارد على الإنسان ، غير مقيم عنده ، وهو ابن السبيل ، يعني المسافر إذا ورد إلى بلد آخر ، وفسره بعضهم بالضيف : يعني به ابن السبيل إذا نزل ضيفا على أحد .
والخامس : ملك اليمين ، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بهم كثيرا وأمر بالإحسان [ ص: 349 ] إليهم ، وروي أن آخر ما وصى به عند موته : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950485الصلاة وما ملكت أيمانكم " ، وأدخل بعض السلف في هذه الآية : ما يملكه الإنسان من الحيوانات والبهائم .
وفي كتاب " الأدب " nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة ، فيقول : يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه " .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=14203الخرائطي وغيره بإسناد ضعيف من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله ، فليس ذلك بمؤمن ، وليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه . أتدري ما حق الجار ؟ إذا استعانك أعنته ، وإذا استقرضك أقرضته ، وإذا افتقر ، عدت عليه ، وإذا مرض عدته ، وإذا أصابه خير هنأته ، وإذا أصابته مصيبة عزيته ، وإذا مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ، وإن اشتريت فاكهة ، فاهد له ، فإن لم تفعل ، فأدخلها سرا ، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده " [ ص: 351 ] ورفع هذا الكلام منكر ، ولعله من تفسير nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني .
وقد روي أيضا عن عطاء ، عن الحسن ، عن جابر مرفوعا : " أدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن تقدح له منها " .
ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أن الجار يلزمه أن يمكن جاره من وضع خشبه على جداره إذا احتاج الجار إلى ذلك ولم يضر بجداره ، لهذا الحديث الصحيح ، وظاهر كلامه أنه يجب عليه أن يواسيه من فضل ما عنده بما لا يضر به إذا علم حاجته قال المروزي : قلت لأبي عبد الله : إني أسمع السائل في الطريق يقول : إني جائع ، فقال : قد يصدق وقد يكذب . قلت : فإذا كان لي جار أعلم أنه يجوع ؟ قال : تواسيه ، قلت : إذا كان قوتي رغيفين ؟ قال : تطعمه شيئا ، ثم قال : الذي جاء في الحديث إنما هو الجار .
وقال المروزي : قلت لأبي عبد الله : الأغنياء يجب عليهم المواساة ؟ قال : إذا كان قوم يضعون شيئا على شيء كيف لا يجب عليهم ، قلت : إذا كان للرجل قميصان ، أو قلت : جبتان ، يجب عليه المواساة ؟ قال : إذا كان يحتاج إلى أن يكون فضلا .
وهذا نص منه في وجوب المواساة من الفاضل ، ولم يخصه بالجار ، ونصه الأول يقتضي اختصاصه بالجار .
وقال في رواية ابن هانئ في السؤال يكذبون أحب إلينا لو صدقوا ما وسعنا إلا مواساتهم وهذا يدل على وجوب مواساة الجائع من الجيران ، وغيرهم .
وخرج مسلم من حديث أبي شريح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950500الضيافة ثلاثة أيام ، وجائزته يوم وليلة ، وما أنفق عليه بعد ذلك ، فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يؤثمه قالوا : يا رسول الله كيف يؤثمه ؟ قال : يقيم ولا شيء له يقريه به .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو : من لم يضف ، فليس من محمد ، ولا من إبراهيم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=4708عبد الله بن الحارث بن جزء : من لم يكرم ضيفه ، فليس من محمد ، ولا من إبراهيم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة لقوم نزل عليهم ، فاستضافهم ، فلم يضيفوه ، فتنحى ونزل ، فدعاهم إلى طعامه ، فلم يجيبوه ، فقال لهم : لا تنزلون الضيف ولا تجيبون الدعوة ما أنتم من الإسلام على شيء ، فعرفه رجل منهم ، فقال له : انزل عافاك الله ، قال : هذا شر وشر ، لا تنزلون إلا من تعرفون .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء نحو هذه القضية إلا أنه قال لهم : ما أنتم من الدين إلا على مثل هذه ، وأشار إلى هدبة في ثوبه .
وهذه النصوص تدل على وجوب الضيافة يوما وليلة ، وهو قول الليث وأحمد ، وقال أحمد : له المطالبة بذلك إذا منعه ، لأنه حق له واجب ، وهل يأخذ بيده من ماله إذا منعه ، أو يرفعه إلى الحاكم ؟ على روايتين منصوصتين عنه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه : ليلة الضيف واجبة ، وليس له أن يأخذ قراه منهم قهرا ، إلا أن يكون مسافرا في مصالح المسلمين العامة دون مصلحة نفسه .
[ ص: 357 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : لو نزل الضيف بالعبد أضافه من المال الذي بيده ، وللضيف أن يأكل وإن لم يعلم أن سيده أذن له ، لأن الضيافة واجبة . وهو قياس قول أحمد ، لأنه نص على أنه يجوز إجابة دعوة العبد المأذون له في التجارة وقد روي عن جماعة من الصحابة أنهم أجابوا دعوة المملوك ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ، فإذا جاز له أن يدعو الناس إلى طعامه ابتداء جاز إجابة دعوته ، فإضافته لمن نزل به أولى .
ومنع مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهما من دعوة العبد المأذون له بدون إذن سيده ، ونقل علي بن سعيد عن أحمد ما يدل على وجوب الضيافة للغزاة خاصة بمن مروا بهم ثلاثة أيام ، والمشهور عنه الأول ، وهو وجوبها لكل ضيف نزل بقوم .
واختلف قوله : هل تجب على أهل الأمصار والقرى أم تختص بأهل القرى ومن كان على طريق يمر بهم المسافرون ؟ على روايتين منصوصتين عنه .
والمنصوص عنه : أنها تجب للمسلم والكافر ، وخص كثير من أصحابه الوجوب للمسلم ، كما لا تجب نفقة الأقارب مع اختلاف الدين على إحدى الروايتين عنه .
فأما اليومان الآخران ، وهما الثاني والثالث ، فهما تمام الضيافة ، والمنصوص عن أحمد أنه لا يجب إلا الجائزة الأولى ، وقال : قد فرق بين الجائزة ، والضيافة ، والجائزة أوكد ، ومن أصحابنا من أوجب الضيافة ثلاثة أيام : منهم أبو بكر بن عبد العزيز ، وابن أبي موسى ، nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي ، وما بعد الثلاث ، فهو صدقة ، وظن بعض الناس أن الضيافة ثلاثة أيام بعد اليوم والليلة الأولى ، وردهأحمد بقوله [ ص: 358 ] صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950506الضيافة ثلاثة أيام ، فما زاد فهو صدقة ، ولو كان كما ظن هذا ، لكان أربعة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه : عليه أن يتكلف له في اليوم والليلة من الطعام أطيب ما يأكله هو وعياله ، وفي تمام الثلاث يطعمهم من طعامه ، وفي هذا نظر . وسنذكر حديث سلمان بالنهي عن التكلف للضيف ، ونقل أشهب عن مالك ، قال جائزته يوم وليلة يكرمه ويتحفه ويخصه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر يمتنع من الأكل من مال من نزل عليه فوق ثلاثة أيام ، ويأمر أن ينفق عليه من ماله . ولصاحب المنزل أن يأمر الضيف بالتحول عنه بعد الثلاث ، لأنه قضى ما عليه ، وفعل ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد .
[ ص: 359 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950507لا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه يعني يقيم عنده حتى يضيق عليه ، لكن هل هذا في الأيام الثلاثة أم فيما زاد عليها ؟ فأما فيما ليس بواجب ، فلا شك في تحريمه ، وأما في ما هو واجب وهو اليوم والليلة فينبنى على أنه هل تجب الضيافة على من لا يجد شيئا أم لا تجب إلا على من وجد ما يضيف به ؟ فإن قيل : إنها لا تجب إلا على من يجد ما يضيف به - وهو قول طائفة من أهل الحديث ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=15768حميد بن زنجويه - لم يحل للضيف أن يستضيف من هو عاجز عن ضيافته . وقد روي من حديث سلمان قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا فإذا نهي المضيف أن يتكلف للضيف ما ليس عنده دل على أنه لا تجب عليه المواساة للضيف إلا بما عنده ، فإذا لم يكن عنده فضل لم يلزمه شيء ، وأما إذا آثر على نفسه ، كما فعل الأنصاري الذي نزل فيه : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ الحشر : 9 ] فذلك مقام فضل وإحسان ، وليس بواجب . [ ص: 360 ] ولو علم الضيف أنهم لا يضيفونه إلا بقوتهم وقوت صبيانهم ، وأن الصبية يتأذون بذلك ، لم يجز له استضافتهم حينئذ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=950509لا يحل له أن يقيم عنده حتى يخرجه .
وأيضا فالضيافة نفقة واجبة ، فلا تجب إلا على من عنده فضل ، عن قوته وقوت عياله ، كنفقه الأقارب ، وزكاة الفطر . وقد أنكر الخطابي تفسير تأثيمه بأن يقيم عنده ولا شيء له يقريه ، وقال : أراه غلطا ، وكيف يأثم في ذلك وهو لا يتسع لقراه ، ولا يجد سبيلا إليه ؟ وإنما الكلفة على قدر الطاقة ، قال : وإنما وجه الحديث أنه كره له المقام عنده بعد ثلاث لئلا يضيق صدره بمكانه ، فتكون الصدقة منه على وجه المن والأذى فيبطل أجره ، وهذا الذي قاله فيه نظر ، فإنه قد صح تفسيره في الحديث بما أنكره ، وإنما وجهه أنه أقام عنده ولاشيء له يقريه به ، فربما دعاه ضيق صدره به ، وحرجه إلى ما يأثم به في قول ، أو فعل ، وليس المراد أنه يأثم بترك قراه مع عجزه عنه ، والله أعلم .