299 - وللحميدي والإمام أحمدا بأن من لكذب تعمدا 300 - أي في الحديث لم نعد نقبله
وإن يتب ، والصيرفي مثله 301 - وأطلق الكذب وزاد : أن من
ضعف نقلا لم يقو بعد أن 302 - وليس كالشاهد ، والسمعاني
أبو المظفر يرى في الجاني 303 - بكذب في خبر إسقاط ما
له من الحديث قد تقدما
[ توبة الكاذب ] التاسع : في توبة الكاذب .
(
وللحميدي ) ، صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
أبي بكر عبد الله بن الزبير ( والإمام
أحمدا بأن من ) أي : أن الذي ( لكذب تعمدا ) أي : في الحديث النبوي مطلقا ، الأحكام والفضائل وغيرهما ، بأن وضع ، أو ركب سندا صحيحا لمتن ضعيف ، أو نحو ذلك ، ولو مرة واحدة ، و
[ ص: 75 ] بأن العمد بإقراره أو نحوه ، بحيث انتفى أن يكون أخطأ أو نسي .
( لم نعد نقبله ) أبدا في شيء مطلقا ، سواء المكذوب فيه وغيره ، ولا نكتب عنه شيئا ، ويتحتم جرحه دائما ( وإن يتب ) وتحسن توبته تغليظا لما ينشأ عن صنيعه من مفسدة عظيمة ، وهي تصيير ذلك شرعا . نعم ، توبته كما صرح به الإمام
أحمد فيما بينه وبين الله .
ويلتحق بالعمد من أخطأ وصمم بعد بيان ذلك له ممن يثق بعلمه مجرد عناد كما سيأتي في الفصل الثاني عشر ، وأما من كذب عليه في فضائل الأعمال معتقدا أن هذا لا يضر ، ثم عرف ضرره فتاب ، فالظاهر - كما قال بعض المتأخرين - قبول رواياته .
وكذا
من كذب دفعا لضرر يلحقه من عدو ، ورجع عنه .
ثم إن
أحمد والحميدي لم ينفردا بهذا الحكم ، بل نقله كل من
الخطيب في الكفاية ،
والحازمي في شروط الستة عن جماعة ،
والذهبي عن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين وغيره ، واعتمدوه ( و ) كذا للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبي بكر ( الصيرفي ) شارح الرسالة ، وأحد
[ ص: 76 ] أصحاب الوجوه في المذهب ( مثله ) حيث قال : كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر .
( وأطلق الكذب ) [ بكسر الكاف وسكون المعجمة عن إحدى اللغتين ] كما ترى ، ولم يصرح بتقييده بالحديث النبوي . ونحوه حكاية القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=11872أبي الطيب الطبري عنه ; فإنه قال : إذا روى المحدث خبرا ثم رجع عنه ، وقال : كنت أخطأت فيه ، وجب قبول قوله ; لأن
الظاهر من حال العدل الثقة الصدق في خبره ، فوجب أن يقبل رجوعه عنه كما تقبل روايته ، وإن قال : كنت تعمدت الكذب فيه فقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي في كتاب ( الأصول ) : إنه لا يعمل بذلك الخبر ، ولا بغيره من روايته .
وقال المصنف : إن الظاهر أن
الصيرفي إنما أراد الكذب في الحديث النبوي خاصة ، يعني فلا يشمل الكذب في غيره من حديث سائر الناس ; فإن ذلك كغيره من المفسقات تقبل رواية التائب منه ، لا سيما وقوله كما قاله المصنف : " من أهل النقل " قرينة في التقييد .
بل قال في موضع آخر : وليس يطعن على المحدث إلا أن يقول : تعمدت الكذب ، فهو كاذب في الأول ; أي : في الخبر الذي رواه واعترف بالكذب فيه ، ولا يقبل خبره بعد ذلك ; أي : مؤاخذة له بإقراره ، على ما قرر في الموضوع ( وزاد )
[ ص: 77 ] أي :
الصيرفي ، على الإمام
أحمد والحميدي ( أن من ضعف نقلا ) أي : من جهة نقله ، يعني لوهم وقلة إتقان ونحوهما ، وحكمنا بضعفه وإسقاط خبره ( لم يقو ) أبدا ( بعد أن ) حكم بضعفه ، هكذا أطلق . ووزان ما تقدم عدم قبوله ، ولو رجع إلى التحري والإتقان ، ولكن قد حمله
الذهبي على من يموت على ضعفه ، فكأنه ليكون موافقا لغيره ، وهو الظاهر .
ثم إن في توجيه إرادة التقييد بما تقدم نظرا ; إذ أهل النقل هم أهل الروايات والأخبار كيفما كانت من غير اختصاص ، وكذا الوصف بالمحدث أعم من أن يكون يخبر عنه صلى الله عليه وسلم أو عن غيره ، بل يدل لإرادة التعميم تنكيره الكذب .
وكذا يستأنس له بقول
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في إحكامه : من أسقطنا حديثه لم نعد لقبوله أبدا ، ومن احتججنا به لم نسقط روايته أبدا ; فإنه ظاهر في التعميم .
ونحوه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في آخرين ، بل كلام
الحميدي المقرون مع
أحمد أول المسألة قد يشير لذلك ; فإنه قال : فإن قال قائل : فما
الذي لا يقبل به حديث الرجل أبدا ؟ قلت : هو أن يحدث عن رجل أنه سمعه ولم يدركه ، أو عن رجل أدركه ثم وجد عليه أنه لم يسمع منه ، أو بأمر يتبين عليه في ذلك كذب ، فلا يجوز حديثه أبدا لما أدرك عليه من الكذب فيما حدث به .
وبذلك جزم
ابن كثير فقال :
التائب من الكذب في حديث الناس تقبل روايته خلافا
للصيرفي ، قال
الصيرفي : ( وليس ) الراوي في ذلك ( كالشاهد ) ، يعني فإن الشاهد تقبل توبته
[ ص: 78 ] بشرطها ، وأيضا
فالشاهد إذا حدث فسقه بالكذب أو غيره لا تسقط شهاداته السالفة قبل ذلك ، ولا ينقض الحكم بها .
( و ) الإمام (
السمعاني أبو المظفر يرى في ) الراوي ( الجاني بكذب في خبر ) نبوي ( إسقاط ما له من الحديث قد تقدما ) ، وكذا وجوب نقض ما عمل به منها ، كما صرح به
الماوردي nindex.php?page=showalam&ids=14396والروياني ، وقالا : فإن الحديث حجة لازمة لجميع المسلمين وفي جميع الأمصار ، فكان حكمه أغلظ ، يعني : وتغليظ العقوبة فيه أشد ، مبالغة في الزجر عنه ; عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=929869إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ) ) .
وقد قال
عبد الرزاق : أنا
معمر عن رجل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
أن رجلا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعث عليا والزبير فقال : ( ( اذهبا ، فإن أدركتماه فاقتلاه ) ) .
ولهذا حكى إمام الحرمين عن أبيه ، أن
من تعمد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم يكفر ، وإن لم يوافقه
[ ص: 79 ] ولده وغيره من الأئمة على ذلك .
والحق أنه فاحشة عظيمة ، وموبقة كبيرة ، ولكن لا يكفر بها إلا إن استحله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : وما ذكره
ابن السمعاني يضاهي من حيث المعنى ما قاله
ابن الصيرفي ، يعني لكون رده لحديثه المستقبل إنما هو لاحتمال كذبه ، وذلك جار في حديثه الماضي بعد العلم بكذبه ، وقد
افترقت الرواية والشهادة في أشياء ، فتكون مسألتنا منها ، على أنه قد حكي عن
مالك في
شاهد الزور أنه لا تقبل له شهادة بعدها .
وعن
أبي حنيفة في قاذف المحصن : لا تقبل شهادته أبدا ، فاستويا في الرد لما بعد ، لكن المعتمد في الشهادة عندنا ما تقدم . نعم ، سوى القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=14170أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشامي من أصحابنا ، بينهما ، حيث قال في الراوي : إنه لا يقبل في المردود خاصة ، ويقبل في غيره . بل نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14275الدامغاني من الحنفية قبوله في المردود وغيره ، [ يعني : إذا رواه بعد توبته ] ، وهو عجيب ، والأصح الأول ، لكن قال
النووي رحمه الله في شرح مقدمة
مسلم : لم أر له ; أي : للقول ، في أصل المسألة دليلا ، ويجوز أن يوجه
[ ص: 80 ] بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ; لعظم مفسدته ; فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة ، بخلاف الكذب على غيره ، والشهادة فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة .
ثم قال : وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية ، والمختار القطع بصحة توبته في هذا ، أي : الكذب عليه صلى الله عليه وسلم ، وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة .
قال : فهذا هو الجاري على قواعد الشرع ، وقد أجمعوا على صحة
رواية من كان كافرا فأسلم ، قال : وأجمعوا على قبول شهادته ، ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا .
وكذا قال في الإرشاد : هذا مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا - انتهى .
ويمكن أن يقال فيما إذا كان كذبه في وضع حديث ، وحمل عنه ودون : إن الإثم غير منفك عنه ، بل هو لاحق له أبدا ، فإن
من سن سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، والتوبة حينئذ متعذرة ظاهرا ، وإن وجد مجرد اسمها ، ولا يستشكل بقبولها ممن لم يمكنه التدارك برد أو محالة ، فالأموال الضائعة لها مرد ، وهو بيت المال ، والأعراض قد انقطع تجدد الإثم بسببها فافترقا .
وأيضا فعدم قبول توبة الظالم ربما يكون باعثا له على الاسترسال والتمادي في غيه ، فيزداد الضرر به ، بخلاف الراوي ; فإنه لو اتفق استرساله أيضا ووسمه بالكذب مانع من قبول متجدداته ، بل قال
الذهبي :
إن من عرف بالكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحصل لنا ثقة بقوله : إني تبت ، يعني كما قيل بمثله في المعترف بالوضع .