الثامن : الوجادة .
( 548 ) ثم الوجادة وتلك مصدر وجدته مولدا ليظهر ( 549 ) تغاير المعنى وذاك إن تجد
بخط من عاصرت أو قبل عهد ( 550 ) ما لم يحدثك به ولم يجز
فقل بخطه وجدت واحترز ( 551 ) إن لم تثق بالخط قل وجدت
عنه أو اذكر قيل أو ظننت ( 552 ) وكله منقطع والأول
قد شيب وصلا ما وقد تسهلوا ( 553 ) فيه بعن قال وهذا دلسه
تقبح إن أوهم أن نفسه ( 554 ) حدثه به وبعض أدى
حدثنا أخبرنا وردا ( 555 ) وقيل في العمل إن المعظما
لم يره وبالوجوب جزما ( 556 ) بعض المحققين وهو الأصوب
ولابن إدريس الجواز نسبوا ( 557 ) وإن يكن بغير خطه فقل
قال ونحوها وإن لم يحصل ( 558 ) بالنسخة الوثوق قل بلغني
والجزم يرجى حله للفطن [ ص: 23 ] القسم
( الثامن ) من أقسام أخذ الحديث ونقله (
الوجادة ) ، ( ثم ) يلي ما تقدم ( الوجادة ) بكسر الواو ، ( وتلك ) ; أي : لفظ الوجادة ( مصدر وجدته مولدا ) ; أي : غير مسموع من العرب ، بمعنى أن أهل الاصطلاح - كما أشار إليه
nindex.php?page=showalam&ids=15263المعافى بن زكريا النهرواني - ولدوا قولهم : وجادة . فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة ، اقتفاء للعرب في التفريق بين مصادر " وجد " للتمييز بين المعاني المختلفة .
( ليظهر تغاير المعنى وذاك ) ; أي : قسم الوجادة اصطلاحا نوعان :
حديث وغيره ; فالأول ( أن تجد بخط ) بعض ( من عاصرت ) سواء لقيته أم لا ، أو بخط بعض من ( قبل ) ممن لم تعاصره ممن ( عهد ) وجوده فيما مضى في تصنيف له أو لغيره وهو يرويه ، من الحديث المرفوع وكذا الموقوف وما أشبهه .
( ما لم يحدثك به ولم يجز ) لك روايته ( فقل ) حسبما استمر عليه العمل قديما وحديثا كما صرح به
النووي فيما تورده من ذلك ما معناه ( بخطه ) أي : بخط فلان ( وجدت ) ، وكذا : وجدت بخط فلان ، ونحو ذلك : كقرأت بخط فلان ، أو في كتاب فلان بخطه قال : أنا فلان بن فلان .
وتذكر شيخه وتسوق سائر الإسناد والمتن ، أو ما وجدته بخطه ونحو ذلك ، ( واحترز ) عن الجزم ( إن لم تثق بـ ) ذاك ( الخط ) بطريقه المشروح في المكاتبة ، بل ( قل وجدت عنه ) أي : عن فلان ، أو بلغني عنه ، أو أذكر : وجدت بخط قيل : إنه خط فلان ، أو قال لي فلان : إنه خط فلان .
( أو ظننت ) أنه خط فلان أو ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان ، ونحو ذلك من العبارات المفصحة بالمستند في كونه خطه ، فإن كان بغير خطه فالتعبير عنه
[ ص: 24 ] يختلف بالنظر للوثوق به وعدمه كما سيأتي في النوع الثاني قريبا .
ثم إن ما تقدم من التقييد بمن لم يجز هو الذي اقتصر عليه
عياض ، وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ; لأنه إنما أراد التكلم على الوجادة الخالية عن الإجازة ، أهي مستند صحيح في الرواية أو العمل ؟ وإلا فقد استعملها غير واحد من المحدثين مع الإجازة فيقال : وجدت بخط فلان وأجازه لي .
وهو - كما قاله المصنف - واضح ، وربما لا يصرح بالإجازة كقول
عبد الله بن أحمد : وجدت بخط أبي : ثنا فلان . ولفظ الوجادة يشملهما ( وكله ) أي : المروي بالوجادة المجردة سواء وثقت بكونه خطه أم لا .
( منقطع ) أو معلق ، فقد قال
الرشيد العطار في ( الغرر المجموعة ) له : الوجادة داخلة في باب المقطوع عند علماء الرواية ، بل قد يقال : إن عده من التعليق أولى من المنقطع ومن المرسل - يعني بالنظر لثالث الأقوال في تعريفه - وإن أجاز جماعة من المتقدمين الرواية عن الوجادة في الكتب مما ليس بسماع لهم ولا إجازة كما ذكره الخطيب في ( الكفاية ) وعقد لذلك بابا وساق فيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه وجد في قائم سيف أبيه
عمر رضي الله عنهما صحيفة فيها كذا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان قال : رأيت في كتاب عندي عتيق
لسفيان [ ص: 25 ] الثوري : حدثني
عبد الله بن ذكوان أبو الزناد . وذكر حديثا .
وعن
يزيد بن حبيب قال : أودعني فلان كتابا ، أو كلمة تشبه هذه ، فوجدت فيه : عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج قال ، وكان يحدثنا بأشياء مما في الكتاب ولا يقول : أنا ولا ثنا في آخرين ، فالظاهر أن ذاك عمن سمعوا منه في الجملة وعرفوا حديثه مع إيرادهم له بوجدت أو رأيت ونحوهما ، مع أنه قد كره الرواية عن الصحف غير المسموعة غير واحد من السلف ، كما حكاه
الخطيب أيضا ، وساق عن
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبي عبد الرحمن السلمي قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إذا وجد أحدكم كتابا فيه علم لم يسمعه من عالم فليدع بإناء وماء فلينقعه فيه حتى يختلط سواده مع بياضه ) .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع قال : لا ينظر في كتاب لم يسمعه ; لا يأمن أن تعلق بقلبه منه . ونحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين كما في القسم الذي قبله ، بل قال
عياض : إنهم اتفقوا ، يعني بعد الصدر الأول ، وعليه يحمل كلام
النووي الماضي على منع النقل والرواية بالوجادة المجردة ، ولذا صرح
ابن كثير بأنه ليس من باب الرواية ، وإنما هو حكاية عما وجده في الكتاب .
قلت : وما وقع في
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد من المناقب من ( صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ) مما رواه عن شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة أنه قال : ذهبت أسأل
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن حديث
المخزومية فصاح بي قال : فقلت
لسفيان : فلم تحمله عن أحد ؟ .
قال : وجدته في كتاب كان كتبه
nindex.php?page=showalam&ids=12349أيوب بن موسى عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري . وذكر الحديث . لا يخدش فيه ، فقد أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الباب نفسه متصلا من حديث
الليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ( و ) لكن ( الأول ) وهو ما إذا وثق بأنه خطه ( قد شيب وصلا ) أي : بوصل ( ما ) حيث
[ ص: 26 ] قيل فيه : وجدت بخط فلان . لما فيه من الارتباط في الجملة ، وزيادة قوة للخبر ، فإنه إذا وجد حديث في ( مسند الإمام
أحمد ) مثلا وهو بخطه ، فقول القائل : وجدت بخط
أحمد كذا . أقوى من قوله : قال
أحمد ; لأن القول ربما يقبل الزيادة والنقص والتغيير ولا سيما عند من يجيز النقل بالمعنى بخلاف الخط .
( وقد تسهلوا ) ; أي : جماعة من المحدثين
nindex.php?page=showalam&ids=15579كبهز بن حكيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ،
والحكم بن مقسم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12027وأبي سفيان طلحة بن نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب ،
ومخرمة بن بكير ،
ووائل بن داود .
( فيه ) أي : في إيراد ما يجدونه بخط الشخص فأتوا ( بـ ) لفظ ( عن ) فلان أو نحوها ، مثل " قال " مكان " وجدت " ; إذ أكثر رواية
بهز عن أبيه عن جده فيما قيل من صحيفة ، وكذا قاله
شعبة في رواية
أبي سفيان عن
جابر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16216وصالح جزرة وغيره في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ،
nindex.php?page=showalam&ids=16604وابن المديني في رواية
وائل عن ولده
بكر .
وصرح به
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري لما قيل له : يا
أبا سعيد ، عمن هذه الأحاديث التي تحدثنا ؟ فقال : صحيفة وجدناها . والجمهور في رواية
مخرمة بن بكير عن أبيه . وكذا قيل : إن
الحكم عن
مقسم لم يسمع من
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس سوى أربعة أحاديث ، والباقي كتاب .
[ ص: 27 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : ( وهذا دلسة تقبح إن أوهم ) الواجد بأن كان معاصرا له ( أن نفسه ) أي : الشخص الذي وجد المروي بخطه ( حدثه به ) أو له منه إجازة ، بخلاف ما إذا لم يوهم ، بأن لم يكن معاصرا له ( وبعض ) جازف فـ ( أدى ) ما وجده كذلك قائلا : ثنا وأنا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11928أبو الوليد الطيالسي : ثنا صاحب لنا من أهل
الري ثقة يقال له :
أشرس . قال : قدم علينا
محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن
إسحاق بن راشد ، فقدم علينا
إسحاق فجعل يقول : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : فقلت له : أين لقيته قال : لم ألقه ، مررت
ببيت المقدس فوجدت كتابا له .
وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أيضا ، ولكن روي عن
إسحاق بن راشد أيضا أنه قال : بعث
محمد بن علي بن زيد بن علي إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري فقال : يقول لك
أبو جعفر : استوص
بإسحاق خيرا فإنه منا أهل البيت .
قال شيخنا : وهذا يدل على أنه لقي
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وحينئذ ; فإن كان هو الذي عناه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح بالبعض ، فقد ظهر الخدش فيه ولعله عنى غيره ، ومقتضى جزم غير واحد بكون
nindex.php?page=showalam&ids=16105شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يسمع من جده ، إنما وجد كتابه فحدث منه ، مع تصريحه عنه في أحاديث قليلة بالسماع والتحديث ، إدراجه في البعض ،
[ ص: 28 ] وعلى كل حال فقد ( ردا ) ذلك على فاعله ، وقال
عياض : إني لا أعلم من يقتدى به أجاز النقل فيه بذلك ولا من عده معد المسند . انتهى .
ولعل فاعله كانت له من صاحب الخط إجازة وهو ممن يرى إطلاقهما في الإجازة كما ذكره
عياض ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح في القسم قبله .
ويستأنس له بقول
أبي القاسم البلخي : إن المجوزين في هذا القسم أن يقول : أنا فلان عن فلان . احتجوا بأنه إذا وجد سماعه بخط موثوق به جاز له أن يقول : ثنا فلان ، يعني كما سيجيء في محله ، وإن لم يكن كذلك فهو أقبح تدليس قادح في الرواية .
( و ) لكونه غير متصل ( قيل في العمل ) بما تضمنه ( إن المعظما ) من المحدثين والفقهاء من المالكية وغيرهم كما قاله
عياض ( لم يره ) قياسا على المرسل والمنقطع ونحوهما مما لم يتصل ، وكان من يحتج بالمرسل ممن ذهب إلى هذا يفرق بأنه هناك في القرون الفاضلة ، وأما من يرى منهم الشهادة على الخط فقد يفرق بعدم استلزامها الاتصال .
( و ) لكن ( بالوجوب ) في العمل حيث ساغ ( جزما ) أي : قطع ( بعض المحققين ) من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أصول الفقه عند حصول الثقة به ، وقال : إنه لو عرض على جملة المحدثين لأتوه ; فإن معظمهم كما تقدم لا يرونه حجة .
( و ) القطع بالوجوب ( هو الأصوب ) الذي لا يتجه غيره في الأعصار المتأخرة ، يعني التي قصرت الهمم فيها جدا ، وحصل التوسع فيها ، فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لانسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط
[ ص: 29 ] الرواية في هذا الزمان ، يعني : فلم يبق إلا مجرد وجادات ، وقال
النووي : إنه الصحيح .
قلت : وقول
nindex.php?page=showalam&ids=12107أبي عمران الجوني : ( كنا نسمع بالصحيفة فيها علم فننتابها كما ينتاب الرجل الفقيه حتى قدم علينا ههنا
آل الزبير ومعهم قوم فقهاء ) مشعر بعملهم بما فيها كالعمل بقول الفقيه .
( ولـ ) لإمام الأعظم (
nindex.php?page=showalam&ids=13790ابن إدريس ) الشافعي ( الجواز نسبوا ) أي : جماعة من الفقهاء وغيرهم ، وقال به طائفة من نظار أصحابه ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح تبعا لعياض : وهو الذي نصره
الجويني واختاره غيره من أرباب التحقيق . فاجتمع في العمل ثلاثة أقوال : المنع ، الوجوب ، الجواز .
وقد استدل
العماد بن كثير للعمل بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (
أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ ) قالوا : الملائكة ، قال : ( وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ ) وذكروا الأنبياء ، قال : ( وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ ) قالوا : فنحن ، قال : ( وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ) قالوا : فمن يا رسول الله ؟ قال : ( قوم يأتون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بها ) حيث قال : فيؤخذ منه مدح من عمل
[ ص: 30 ] بالكتب المتقدمة بمجرد الوجادة ، وقال
البلقيني : وهو استنباط حسن .
قلت : وفي الإطلاق نظر ; فالوجود بمجرده لا يسوغ العمل .
( و ) أما ( إن يكن ) وهو النوع الثاني ما تجد من مصنف لبعض العلماء ممن عاصرته أولا كما بين أولا ( بغير خطه ) أي : المصنف ، مع الثقة بصحة النسخة بأن قابلها المصنف أو ثقة غيره بالأصل أو بفرع مقابل كما قرر في محله .
( فقل : قال ) فلان كذا ( ونحوها ) من ألفاظ الجزم ، كذكر فلان ، أو بخط مصنفه مع الثقة بأنه خطه فقل أيضا : وجدت بخط فلان . ونحوها كما في النوع الأول واحك كلامه ، ( وإن لم يحصل بالنسخة الوثوق ) فـ ( قل : بلغني ) عن فلان أنه ذكر كذا ، أو وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني ، وما أشبههما من العبارات التي لا تقتضي الجزم .
( و ) لكن ( الجزم ) في المحكي لما يكون من هذا القبيل ( يرجى حله للفطن ) العالم الذي لا يخفى عليه في الغالب مواضع الأسقاط والسقط وما أحيل عن جهته ; أي : بضرب من التأويل من غيرها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : وإلى هذا - فيما
[ ص: 31 ] أحسب - استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب الناس مع تسامح كثير في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير تحر ولا تثبت ، فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل عنه من غير أن يثق بصحة النسخة قائلا : قال فلان كذا . ونحو ذلك ، والصواب ما تقدم .
قلت : ويلتحق بذلك ما يوجد بحواشي الكتب من الفوائد والتقييدات ونحو ذلك ، فإن كان بخط معروف ; فلا بأس بنقلها وعزوها إلى من هي له ، وإلا فلا يجوز اعتمادها إلا لعالم متقن ، وربما تكون تلك الحواشي بخط شخص وليست له ، أو بعضها له وبعضها لغيره فيشتبه ذلك على ناقله بحيث يعزو الكل لواحد .